كتاب التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (اسم الجزء: 8)

بعدهن حروفًا لأنها لو كانت أسماء - وليست بظروف - لجاز أن يباشرن العوامل كما باشرتها غير، ولو كانت أفعالًا لم يباشرن الجر بغير واسطة حرف جر. ويتعين أن يكن إذا انتصب ما بعدهن أفعالًا لانتفاء الاسمية بما سبق، ولنصب ما بعدهن، ولسن من قبيل الأسماء العاملة، ولانتفاء الحرفية لاستلزام ثبوتها أن يلين العوامل، فكما تقول ما قام إلا زيدٌ كنت تقول: ما قام القوم خلا زيدٌ، بالرفع، ولم يقولوا ذلك. وإذا بطلت الاسمية والفعلية إذا انجر ما بعدهن تعينت الحرفية، وإذا بطلت الاسمية والحرفية إذا انتصب ما بعدهن تعينت الفعلية.
وفي البسيط: مذهب س - وهو الأكثر - أنهما - يعني خلا وعدا - فعلان ضُمنا معنى الاستثناء، أما خلا فالأصل فيه ألا يتعدى، تقول: خلا المكان: بمعنى تفرغ، ويدخله معنى فارق وجاوز وانفصل، فتقول: خلوت من المكان، وخلوت المكان، بمعنى: فارقته وجاوزته، قالوا: خلاك ذم، أي: جاوزك، فلما لحقه معنى المفارقة والانفصال صار فيه معنى الخروج عن الشيء، فضمنوه ذلك، وأدخلوه في الاستثناء، فإذا قلت قام القوم خلا زيدًا فمعناه: خلا بعضهم زيدًان أي: جاوز بعضهم زيدًا، والبعض هنا خلاف زيد من القوم، كأنك قلت: جاوز أكثرهم زيدًا، بخلاف البعض المقدر في ليس ولا يكون؛ لأنه هو زيد في المعنى، فيكون في هذا بمنزلة ليس ولا يكون، بمعنى أنه محذوف الفاعل، وهو غير الأول، فلذلك لم يظهر، وهو بعيد لأن فيه حذف الفاعل، ولا يجوز. وقد يقال: إن خلا خرجت عن أصلها إلى معنى إلا، فصارت بمنزلتها سواء، فلا تحتاج إلى فاعل أصلًا.
وأما عدا فالأصل فيه عدا من العدو، وهو ضرب من المشي السريع، وهو مما تلزمه المفارقة، فضمن ذلك، فصار على معنى: عدا زيدٌ عمرًا، فإن قلنا قام القوم عدا زيدًا كان المعنى: عدا بعضهم زيدًا، أي: جاوز.

الصفحة 311