كتاب التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (اسم الجزء: 8)

وإذا كانت أفعالًا فنصبت فالنصب بـ"عدا" ظاهر؛ لأنها كانت متعدية قبل أن يُستثنى بها، قالت العرب: عدا فلانٌ طوره، أي: جاوزه.
وكذلك حاشا، هي فعل متعد، حكي ابن سيده أن حاشيت بمعنى استثنيت، / [٤: ٦٨/ ب] وأُحاشي بمعنى أستثني. وزعم بعض أصحابنا أنها مشتقة من الحشي، وهي الناحية؛ لأن المستثنى بها لما خالفه المستثنى منه صار لذلك كأنه في حشي خلاف حشاه، أي: في ناحية خلاف ناحيته.
وأما خلا فإنها في غير الاستثناء لا تتعدى البتة، ومعناها مخالف له في الاستثناء، لكنها ضُمنت معنى جاوز؛ لأن من خلا من شيء فقد جاوزه.
واختلف النحويون في فاعل هذه الأفعال: فذهب س وأكثر البصريين إلى أنه ضمير مستكن في الفعل، لا يبرز، عائد على البعض المفهوم من الكلام، ولذلك لا يُثنى، ولا يُجمع، ولا يؤنث؛ لأنه عائد على مفرد مذكر، فإذا قلت قام القوم عدا زيدًا فالتقدير: عدا هو، أي: بعضهم زيدًا، فإذا كان البعض واقعًا على من عدا زيدًا من القوم فينبغي ألا يجوز ذلك على مذهب الكسائي وهشام؛ لأنهما زعما أن بعضًا لا يقع إلا على ما دون النصف، والصحيح وقوعه على أزيد مما ذاكره، قال الشاعر:
داينت أروى، والديون تقضى فمطلت بعضًا، وأدت بعضا
فـ "بعض" في هذا البيت لابد أن يكون واقعًا على النصف أو على أكثر منه، وحكي ابن الأعرابي عن العرب أنها توقع بعضًا على النصف.

الصفحة 319