كتاب التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (اسم الجزء: 8)

.................... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فلما كان في موضع إلا زيد كان معناه كمعناه، وحملوه على الموضع. والدليل على أنك إذا قلت غير زيد فكأنك قلت إلا زيد أنك تقول: ما أتاني غير زيد وإلا عمرو)) انتهى.
ولا يجوز أن يكون المعطوف - وإن أعرب إعراب غير - معطوفًا على ((غير)) نفسها مع إرادةً هذا المعنى؛ لأنه يلزم إذ ذلك تشريك المعطوف مع غير في العامل، ويصير معنى أخر غير ذلك المعنى، فإذا قلت: ما أتاني غير زيد وعمرو، وجعلته معطوفًا على غير - كان المعنى: ما أتاني غير زيد وما أتاني عمرو، وهذا خلاف ذلك المعنى؛ لأنك إذا لحظت في ((غير زيد)) معنى ((إلا زيد))، وعطفت مراعيًا لهذا المعنى - كان زيد وعمرو آتيين، وكأنك قلت: ما أتاني إلا زيد وعمرو، فيلزم من إرادة هذا المعنى أن تنزل غير منزلة إلا، ويعرب عمرو بإعراب ما بعد إلا، وبإعراب ما بعد غير، ومراعاة ذلك في العطف تقتضي مراعاةً ذلك في سائر التوابع، نحو النعت وعطف والبيان والتأكيد والبدل، فتقول على هذا: ما جاءني غير زيد نفسه، أو غير زيد العاقل، أو غير زيد أبي حفص، أو غير زيد أخيك، فالقياس يقتضي جواز هذا كله بالجر والرفع، ولم ينصوا إلا على العطف.
إلا أن في لفظ ابن عصفور ما يقتضي العموم، لأنه قال: ((وأما المستثنى بغير- وهو الاسم الوقع بعدها - فلا يكون إلا مخفوضًا بالإضافةً، وكذلك تابعه، نحو قولك: جاءني القوم غير زيد وعمرو. وقد يجوز في تابعه أن يكون إعرابه على حسب إعراب غير نفسها حملًا على المعنى، فتقول: جاءني القوم غير زيد وعمرا، بنصب عمرو، وما جاءني أحد غير زيد وعمرو، برفع عمرو)) انتهى.
وظاهر كلام المصنف أنه لا يراعى موضع مجرور غير إلا إذا كانت استثناء لا صفةً؛ لأنه قال: ((واعتبار المعنى في المعطوف على المستثنى بها جائز)).

الصفحة 346