كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

وروينا عن الحسن أنه يُعطي من الصدقة الواجبة من له الدار والخادم إذا كان محتاجًا. وعن إبراهيم نحو ذلك، وعن سعيد بن جبير: يُعطَى منها مَن له الفرس والدار والخادم. وعن مقاتل بن حيان: يُعطَى منها مَن له العطاء في الديوان وله فرس.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل فقير من قويّ وزمن فالصدقة له حلال.
ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وأحمد في رواية، ومالكًا وابن جرير الطبري؛ فإنهم قالوا: كل مَن كان فقيرًا فالصدقة له حلال سواء كان صحيحًا ذا قوة أو زمنًا أو مقعدًا. وحاصل هذا: أن مَن لم يملك مائتي درهم فصاعدًا يجوز له أخذ الصدقة؛ لأن المراد من الغِنى هو الغنى الشرعي وهو أن يملك نصابًا فما فوقه، وقال أصحابنا: المراد من قوله: "لذي مرة سويّ": هو أن يسأل مع قدرته على اكتساب القوت، وأما إذا أُعطي من غير سؤال فلا يحرم له أخذها؛ لدخوله في الفقراء، وقد ثبت بالنص أن أحد المصارف الفقراء.
ص: وذهبوا في تأويل هذه الآثار المتقدمة إلى أن قول النبي - عليه السلام -: "لا تحل الصدقة لذي مرة سويّ" أنها لا تحل له كما تحل للفقير الذي لا يقدر على غيرها فيأخذها على الضرورة وعلى الحاجة من جميع الجهات منه إليها، فليس مثله ذو المرة
السوي القادر على اكتساب غيرها في حلها له؛ لأن الزمن الفقير تحل له من قِبل الزمانة ومِن قِبل عدم قدرته على غيرها، وذو المرة السوي إنما تحل له من جهة الفقر خاصة وإن كانا جميعًا قد يحل لهما أخذها؛ فإن الأفضل لذي المرَّة السويّ تركها والاكتساب بعمله، وقد يغلظ الشيء من هذا فيقال: لا يحل أو لا يكون كذا على أنه غير متكامل للأسباب التي بها يحل ذلك المعنى، وإن كان ذلك المعنى قد يحل بها دون تكامل تلك الأسباب.

الصفحة 12