كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

شئت فخذ وإن شئت فدع. قلت: بل أدع، قال: فدلني على رجل أولِّيه، فدللته على رجل من الوفد فولاه، قالوا: يا رسول الله إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء وسِعَنا ملؤها فاجتمعنا عليه، وإذا كان الصيف قلَّ وتفرقنا على مياه حولنا، وإنا لا نستطيع اليوم أن نتفرق، كل مَن حولنا عدو، فادع الله يسعُنا ماؤها، فدعى بسبع حصيات ففركهن في كفيه ثم قال: إذا أتيتموها فألقوا واحدةً واحدةً واذكروا اسم الله، فما استطاعوا أن ينظروا إلى قعرها بعد. انتهى.
وقال الخطابي: في قوله: "فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". دليل على أنه لا يجوز حكم جمع الصدقة كلها في صنف واحد، وأن الواجب تفرقتها على أهل السهمان بحصصهم، ولو كان في الآية بيان الجُمَل دون بيان الحصص لم يكن للتجزئة معنى، ويدل على صحة ذلك قوله: "أعطيتك حقك" فبين أن لأهل كل جزء على حدة حقًّا. وإلى هذا ذهب عكرمة، وهو قول الشافعي.
وقال إبراهيم النخعي: إذا كان المال كثيرًا يحتمل الأجزاء قَسَّمه على الأصناف، وإذا كان قليلًا جاز أن يضع في صنف واحد.
وقال أحمد بن حنبل: تفريقه أولى، ويجزئه أن يجعله في صنف واحد.
وقال أبو ثور: إن قسمه الإِمام قسمه على الأصناف الثمانية. وإن تولى قسمَه رب المال فوضعه في صنف واحد رجوت أن يسعه.
وقال مالك بن أنس: يجتهد ويتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الأولى فالأولى من أهل الفاقة والخلة، فإن رأى الخلَّة في الفقراء في عام أكثر قدمهم، وإن رآها في أبناء السبيل في عام آخر أكثر حولها إليهم.
وقال أصحاب الرأي: هو غير يضعه في أي الأصناف شاء.
قلت: كذلك قال الثوري، وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح، ويروى ذلك عن ابن عباس.

الصفحة 26