كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

قوله: "جائحة" بالجيم أولًا ثم بالحاء المهملة، وهي في غالب العرف ما ظهر أمره من الآفات كالسَّيْل يغرق متاعه، والنار تحرقه، والبرد يفسد زرعه وثماره، ونحو ذلك.
فإذا أصاب الرجل شيء من ذلك وافتقر حلت له المسألة ووجب على الناس أن يعطوه الصدقة من غير بينة يطالبونه بها على ثبوت فقره واستحقاقه إياها.
قوله: "قِوامًا" بكسر القاف وهو ما يقوم بحاجته ويستغني به.
و"السداد": بكسر السين المهملة: ما يُسد به خلته، والسِّداد -بالكسر أيضًا- كل شيء سددت به حالًا، ومنه سداد الثغر وسداد القارورة، والسَّداد بالفتح إصابة المقصد.
قوله: "حاجة" أي: فقر وفاقة.
قوله: "من ذوي الحجى". بكسر الحاء المهملة وفتح الجيم مقصور، وهو العقل، وقال النووي: إنما شرط الحجى تنبيهًا على أنه يشترط في الشاهد التيقظ، فلا يقبل من مغفل، وأما اشتراط الثلاثة فقال بعض أصحابنا: هو شرط في بينة الإعسار فلا يقبل إلا من ثلاثة لظاهر هذا الحديث.
وقال الجمهور: يُقبل مِن عدلين كسائر الشهادات غير الزنا، وحملوا الحديث على الاستحباب، وهذا محمول على من عرف له مال فلا يقبل قوله في تلفه والإعسار إلا ببينة، وأما من لم يعرف له مال فالقول قوله في عدم المال.
وقال الخطابي.: وليس هذا من باب الشهادة لكن من باب التبين والتعرف؛ وذلك لأنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه أو جيرانه أو من ذوي الخبرة بشأنه: إنه صادق فيما يدَّعيه؛ أعطي الصدقة.
قلت: الصواب ما قاله الخطابي؛ لأنه أراد أن يخرج بالزيادة عن حكم الشهادة إلى طريق انتشار الخبر واشتهاره، وأن القصد بالثلاثة ها هنا الجماعة التي أقلها أقل الجمع لا نفس العدد.

الصفحة 31