كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

قوله: "فيهدي" أي: فيهدي ذلك الجار الذي يتصدق عليه له -أي: للغني- أو يدعوه إلى ضيافته.
قوله: "فقد أباح رسول الله - عليه السلام - ... إلى آخره" بيانه: أنه - عليه السلام - أباح الصدقة لمن يكون في سبيل الله أو ابن السبيل، ولم يقيد ذلك بالصحة، بل جمع بين الصحيح وغيره؛ فدلَّ ذلك أن الصدقة إنما تحل للفقر سواء كانت معه زمانة أو لم تكن، وقد ذكر في هذا الحديث ثلاثة أصناف:
الأولان: يجوز لهما أخذ الصدقة وإن كانا غنيين في الواقع، ولكنهما فقيران في الحال.
وأما الثالث: فكذلك يجوز له أخذ الصدقة وإن كان غنيًّا؛ لأنها خرجت من ملك المتصدق بقبول الفقير، فخرجت عن حكم سائر الصدقات، فحل للغني حينئذٍ أن يقبل ذلك إذا أهدي إليه، أو يأكل منها أن عُزِم عليه، فافهم.
ص: وقد روي عن وهب بن خَنْبَش، عن النبي - عليه السلام - ما قد حدثنا أبو أمية، قال: ثنا المعلى بن منصور، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، قال: أخبرني مجالد، عن الشعبي، عن وهب قال: "جاء رجل إلى رسول الله - عليه السلام - وهو واقف بعرفة، فسأله رداءه فأعطاه إياه، فذهب به، ثم قال النبي - عليه السلام -: إن المسألة لا تحل إلا من فقر مدقع، أو غرم مُفظِع، ومن سأل الناس ليثري به ماله، فإنه خموشٌ في وجهه، ورضفٌ يأكله من جهنم إن قليل فقليل، وإن كثير فكثير".
فأخبر النبي - عليه السلام - أيضًا في هذا الحديث: أن المسألة تحل بالفقر والغرم، فذلك دليل على أنها تحل بهذين المعنيين خاصةً ولا يختلف في ذلك حال الزمن وغيره.
ش: أخرج هذا أيضًا شاهدًا لما ذكره من أن المسألة تحل بالفقر ولا تقيد بالزمانة ونحوها.
عن أبي أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن المعلى بن منصور الرازي

الصفحة 40