كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

وأخرجه ابن ماجه (¬1): نا سهل بن أبي سهل، ثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "قدم النبي - عليه السلام - المدينة فوجد اليهود صيامًا، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وأغرق فيه فرعون، فصامه موسى - عليه السلام - شكرًا، فقال رسول الله - عليه السلام -: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه".
فإن قيل: خبر اليهود غير مقبول، فكيف عمل - عليه السلام - بخبرهم؟
قلت: يحتمل أن يكون - عليه السلام - أُوحي إليه بصدقهم فيما حكوا من قصة هذا اليوم، أو يكون قد تواتر عنده - عليه السلام - خبره حتى وقع له العلم بذلك.
وقال القاضي عياض: قد ثبت أن قريشًا كانت تصومه، وأن النبي - عليه السلام - كان يصومه، فلما قدم المدينة صامه، فلم يُحدث له صوم اليهود حكمًا يحتاج إلى التكلم عليه، وإنما هي صفة حال، وجواب سؤال، فدل أن قوله في الحديث "فصامه" ليس
أنه ابتدأ صومه حينئذ، ولو كان هذا لوجب أن يقال: صحح هذا من أسلم من علمائهم، ووثقه مَن هداه الله من أحبارهم كابن سلام وبني سعية وغيرهم.
وقد ذهب بعضهم إلى الجمع بين هذين الحديثين بأنه يحتمل أنه - عليه السلام - كان يصومه بمكة على مقتضى الحديث الأول، ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب من فضل صومه فصامه.
قوله: "ففي هذا الحديث" أي: حديث ابن عباس المذكور: أن رسول الله - عليه السلام - إنما صامه شكرًا لله -عز وجل- في إظهاره موسى - عليه السلام - على فرعون، فذلك على الاختيار لا على الفرض.
وفيه بحث؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن ذلك على الاختيار دون الفرض؛ لأن قوله -عليه السلام -: "فصوموا" أمر، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب،
¬__________
(¬1) "سنن ابن ماجه" (1/ 552 رقم 1734).

الصفحة 404