كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا مَهْديّ بن ميمون وحماد بن زيد، عن غيلان ... فذكر بإسناده مثله.
ففي هذا الحديث أنه أمرهم بصومه احتسابًا لما ذكره فيه من الكفارة، وليس هو بمخالف عندنا لحديث ابن عباس؛ لأنه قد يجوز أن يكون يصومه شكرًا لله لما أظهر موسى - عليه السلام - على فرعون، فيشكر الله به ما شكره من ذلك، فيكفر به عنه السنة الماضية.
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا روح، قال: ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية عامَ حَجَّ وهو على المنبر يقول: "يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟! سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول في هذا اليوم: هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومَن شاء فليفطر".
فقد يجوز أن يكون أراد بقوله: "ولم يكتب عليكم صيامه" أي صيام ذلك اليوم في ذلك العام، وليس في هذا نفي أن يكون قد كان كُتب ذلك عليهم فيما تقدم ذلك العام من الأعوام ثم نسخ بعد ذلك على ما تقدم من الأحاديث، فقد ثبت نسخ صوم يوم عاشوراء الذي كان فرضًا وأمر بذلك على الاختيار، وأخبر بما في ذلك من الثواب، فصومه حسن، وهو اليوم التاسع قد قال ذلك ابن عباس في حديث الحكم بن الأعرج، وذكر ذلك أيضًا عن رسول الله - عليه السلام -.
ش: أخرج أحاديث عبد الله بن عمر وأبي قتادة الأنصاري ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - إيذانًا بأنه ليس بينها وبين الأحاديث المتقدمة عن ابن عباس وغيره منافاة؛ لأن التخيير المذكور في حديث ابن عمر والكفارة المذكورة في حديث أبي قتادة لا ينافيان ما ذكر في حديث ابن عباس من أنه كان يصومه شكرًا لله لإظهاره موسى - عليه السلام - على فرعون، وكذا قوله في حديث معاوية: "لم يكتب عليكم صيامه" لا ينافي كونه قد كتب ذلك عليهم فيما تقدم ذلك العام من الأعوام؛ لأن معنى

الصفحة 414