كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

فكما كره أن يقصد إلى يوم الجمعة بعينه بصيام إلا أن يخلط بيوم قبله أو بيوم بعده، فيكون قد دخل في صوم قد صار منه، فكذلك عندنا سائر الأيام لا ينبغي أن يقصد إلى صوم يوم منها بعينه، كما لا ينبغي أن يقصد إلى صوم يوم عاشوراء أو يوم الجمعة لأعيانهما، ولكن يقصد إلى الصيام في أي الأيام كان، ولكن إنما أريد بما ذكرنا من الكراهة التي وصفنا: التفرقة بين شهر رمضان وبين سائر ما يصوم الناس غيره؛ لأن شهر رمضان مقصود بصومه إلى شهر بعينه؛ لأن فريضة الله -عز وجل- على عباده صومهم إياه بعينه إلا من عذر منهم بمرض أو سفر، وغيره من المشهور ليس كذلك، فهذا وجه ما روي في صوم يوم عاشوراء عن رسول الله - عليه السلام -، قد بيناه في هذا الباب وشرحناه.
ش: "الفاء" في "فإنه" للتعليل، والضمير للشأن، وأشار به إلى بيان الدليل لقوله "كما جاء عنه في صوم يوم الجمعة".
وأخرج في ذلك عن عبد الله بن عمرو وجويرية بنت الحارث وأبي هريرة وجنادة بن أبي أمية - رضي الله عنهم -، وأخبر في أحاديثهم كراهة القصد إلى صوم يوم الجمعة بعينه إلا أن يكون يوم قبله أو يوم بعده حتى يكون هو في صوم يكون صوم يوم
الجمعة جزء منه، وهو معنى قوله: "فيكون قد دخل في صوم قد صار منه" وفي بعض النسخ: "حتى صار منه" والأول أقرب.
وكذا سائر الأيام إذا أراد أن يصوم فيها لا ينبغي أن يقصد يومًا بعينه لما فيه من التشبيه لأهل الكتاب؛ لأن من عادتهم الصوم في يوم بعينه قصدًا، ولا سيما كانوا يفعلون ذلك في يوم عاشوراء، وكذلك صوم يوم الجمعة بقصد بعينه؛ لما فيه من التشبيه لهم أيضًا، اللهم إلا إذا صام يوما قبله أو يوما بعده، ولكن يستثنى من هذا الحكم شهر رمضان؛ لأن الله تعالى فرض صومه علينا بعينه إلا فيمن كان معذورا بمرض أو سفر، فقصد تعيينه لا يؤثر شيئا في الكراهة؛ لأنه بتعيين الشارع، وذلك لا يوصف بالكراهة، بخلاف غيره من المشهور والأيام حيث يؤثر التعين فيه قصدا في الكراهة لما ذكرنا.

الصفحة 424