كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

وقال ابن بطال: وقد روي في بعض الحديث أن هذا الصيام كان لأنه كان يلتزم صومه ثلاثة أيام من كل شهر كما قال لابن عمرو، فربما شغل عن صيامها أشهرًا، فيجتمع كل ذلك في شعبان فيدركه قبل رمضان.
وقال ابن الجوزي: وورد في حديث أن النبي - عليه السلام - سئل عن صومه فيه، فقال: "إن الآجال تكتب فيه، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي".
وقال العلماء: إنما لم يستكمل غير رمضان بالصيام لئلا يظن وجوبه.
فإن قيل: قد جاء في "الصحيح": "أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم" فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم؟.
قلت: قد قيل: لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر حياته قبل التمكن من صومه، أو لعله كانت تعرض له فيه أعذار من سفر أو مرض أو غير ذلك.
قوله: "أكان" الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: "ما كان يبالي" أي: ما كان يهتم من أي أيام الشهر صامها.
ص: قالوا: ففي هذه الآثار دليل على أن لا بأس بصوم شعبان كله.
ش: أشار بهذه الآثار إلى الأحاديث التي رواها عن ابن عمر وأم سلمة وأسامة ابن زيد وعائشة - رضي الله عنهم -، وفيها دليل واضح على أنه لا بأس بصوم شعبان كله.
ص: وكان من حجة الأولين عليهم: أن الذي روي في هذه الأخبار إنما هو إخبار عن فعله - عليه السلام - وما قبل ذلك مما فيه النهى إخبارٌ عن قوله: فكان ينبغي أن يصحح الحديثان جميعًا فيجعل ما فعله رسول الله - عليه السلام - مباحًا له، وما نهى عنه كان محظورًا على غيره، فيكون حكم غيره في ذلك خلاف حكمه حتى يصح الحديثان ولا يتضادان.
فكان من الحجة عليهم في ذلك: أن في حديث أسامة عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال في شعبان: "هو شهر يغفل الناس عن صومه" فدل ذلك أن صومه إياه أفضل من الإفطار.

الصفحة 458