كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

قوله: "من سرر شعبان" السَّرَر -بفتح السنن المهملة والراء- ليلة يستسر الهلال، يقال: سِرار الشهر وسَراره -بالكسر والفتح- وسَرَرَه.
قال ابن الأثير: في الحديث: "صوموا الشهر وسره"، أي: أوله، وقيل: مستهله، وقيل: وسطه، وسِرُّ كل شيء جوفه، فكأنه أراد الأيام البيض، قال الأزهري: لا أعرف السِّرَّ بهذا المعنى، إنما يقال: سِرار الشهر وسَراره وسَرَرَهُ وهو آخر ليلة يستسر الهلال بنور الشمس، ومنه الحديث: "هل صمت من سرار هذا الشهر شيئًا"؟ (¬1).
وقال القاضي: وأنكر بعضهم ما قال أبو عبيد: إن سرر الشهر آخره حين يستسر الهلال، وقال: لم يأت في صيام آخر الشهر من شعبان حضّ، والسرار من كل شيء وسطه.
وقال أبو داود عن الأوزاعي: سِرُّه: أوله، ولم يعرف الأزهري سره أوله، وقال الهروي: والذي يعرف الناس أن سرَّه آخره، وكذا رواه الخطابي عن الأوزاعي أيضًا من غير طريق أبي داود: سرُّه: آخره.
ويقال: سرارُهُ وسررُه وسرُّه، ويعضد قول من قال: إنه وسطه رواية من روى في الحديث من رواية عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي "سرَّته" وعند شيخنا القاضي الشهيد في حديث ابن أبي شيبة "سُرره" بالضم، ولغيره بالكسر، والسُّرر جمع سرة، وسُرارة الوادي وسطه، وخير موضع فيه، وقال ابن السكيت: سرار الأرض: أكرمها ووسطها، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، وقد يكون سِرار الشهر من هذا، أي: أفضل أيامه.
قال القاضي: والأظهر في تصير سرار الشهر أنه آخره بدليل قوله - عليه السلام -: "فإذا أفطرت من رمضان فصم يوما أو يومين" والشهر المشار إليه هو شعبان، كذا جاء مفسرا في "الأم" وغيرها، وإن كان وقع في البخاري فيه أنه رمضان، فهو وهم بيِّن
¬__________
(¬1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 115 رقم 222).

الصفحة 463