كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 8)

ذلك على أن مَن لم يخف من القبلة وهو صائم شيئًا أخر وأمن على نفسه؛ أنها له مباحة، وقد ذكرنا عنها في بعض هله الآثار أنها سئلت عن القبلة للصائم فقالت جوابًا لذلك السائل: "كان رسول الله - عليه السلام - يقبل وهو صائم"، فلو كان حكم رسول الله - عليه السلام - في ذلك عندها خلاف حكم غيره من الناس إذا لما كان ما علمته من فعل النبي - عليه السلام - جوابًا لما سئلت عنه من فعل غيره، وقد سألها عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - لما جمع له أبوه أهله في شهر رمضان عن مثل ذلك فقالت: "كان رسول الله - عليه السلام - يفعل ذلك"، وهذا عندنا لأنها كانت تأمن عليه، فدل ما ذكرنا على استواء حكم رسول الله - عليه السلام - وسائر الناس عندها في حكم القبلة إذا لم يكن معها الخوف على ما بعدها مما تدعو إليه، وهو أيضًا في النظر كذلك؛ لأنا قد رأينا الجماع والطعام والشراب قد كان ذلك كله حرامًا على رسول الله - عليه السلام - في صيامه كما هو حرام على سائر أمته في صيامهم، ثم هذه القبلة قد كانت لرسول الله - عليه السلام - حلالًا في صيامه؛ فالنظر على ما ذكرنا أن تكون أيضًا حلالًا لسائر أمته في صيامهم أيضًا، ويستوي حكمه وحكمهم فيها كما يستوي في سائر ما ذكرنا.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن القبلة في الصيام كانت مخصوصة للنبي - عليه السلام -، والدليل عليه قول عائشة: "وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله - عليه السلام -" فلا تجوز لغيره حتى لو قبَّل وهو صائم ينقض صومه.
وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم دعوى الخصوصية، وقول عائشة ذلك لا يدل عليها، بل إنما قالت ذلك لأنها ما كانت تأمن عليهم لكونهم غير محفوظين، فلا يأمنون على أنفسهم، بخلاف رسول الله - عليه السلام - فإنه كان محفوظًا.
والدليل على أن القبلة لا تفطر الصائم عندنا قولها: "أما أنتم فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف".
أرادت بهذا القيد أنه لا يخاف من إربه لضعف شهوته، فدل ذلك على أن كل من لم يخف من القبلة والحال أنه صائم شيئًا آخر مما يفسد صومه أنها له مباحة حتى إذا خاف شيئًا آخر من ذلك يكره له ذلك.

الصفحة 512