كتاب مصابيح الجامع (اسم الجزء: 8)

فإن قلت: كيف يتمشى هذا في قوله في الحديث: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ"؟
قلت: ليس خبرًا لـ"مَثَلُ" قولُه: "مع السفرة"، وإنما هو محذوف، تقديره: كونُه مع السفرة، والمعنى: أن صفته الغريبةَ العجيبةَ الشأنِ هي كونُه مع السفرةِ الكرامِ البررة.
فإن قلت: وما تقدير [قوله: "وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ"؟
قلت: التقدير] (¬1): مَثَلُ مَنْ (¬2) هو بهذه الحالة مَثَلُ مَنْ يحاول عبادةً شاقةً يقوم بأعبائها، مع شدتها وصعوبتها عليه، فله أجران؛ أي: أجرٌ على فعلِ العبادة، وأجرٌ على تحمُّل المشقة.
فإن قلت: ظاهرُ الحديث: أن الأول أفضلُ من الثاني؛ بدليل الإخبارِ بأنه مع السفرة، وكيف والأجرُ على قدر المشقَّة؟
قلت: هما رأيان في المسألة، فمن الناس من ذهبَ إلى أن أجر الثاني أكثرُ، وأن المراد من ثبوت الأجرين له: ثبوتُ أجر الأولِ له مضاعَفًا؛ تمسكًا بأن الأجور بحسب ما يرتكبه المأجورُ من المشقة، ومنهم من ذهب إلى أن الأولَ أفضلُ؛ بشهادة كونِه (¬3) مع السفرة، وشهادةِ كونه ماهرًا باعتنائه بالقرآن، وإتقانه وحفظه، ولا شك أن هذه المهارة لا تحصل للإنسان بحيث تصيرُ مَلَكَةً
¬__________
(¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(¬2) "من" ليست في "ج".
(¬3) في "ع": "مع كونه".

الصفحة 483