كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثامنة (اسم الجزء: 1)
فصل
حديث حكيم بن حزام المتفق عليه لما قال له: «يا حكيم، إن هذا المال خَضِرَةٌ حلوةٌ، فمن أخذه بسخاوةِ نفسٍ بُورِكَ له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يُبارَك له فيه، وكان الذي يأكل ولا يَشْبَعُ، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى»، قال حكيم: فقلت: يا رسولَ الله! والذي بعثك بالحق لا أَرْزَأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر يدعو حكيمًا لِيُعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر دعاه لِيُعطيه، فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين -وفي رواية: إني أشهدكم يا معشر المسلمين- إني أعرِضُ على حكيم حقَّه الذي قسَم الله له في هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه. فلم يَرْزَأ أحدًا من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذا نصٌّ في جواز عدم الأخذ إذا عُرِضَ على الرجل المالُ وإن كان حقّه، كمال الفيء. وقد سُئل أحمد مرةً عن الحجة في الردّ، فلم يحضُرْه إذ ذاك من السنة، مع كثرة ردّه.
وقوله: «لا أَرْزَأ» معناه: لا أنقُص أحدًا، وهو تنبيه على أن الأخذ ينقُص الناسَ ما في أيديهم، فيتركه كاملًا لهم. ولا ريبَ أن أخذ المال وصرفَه في مواضعه خيرٌ من تركه حيث لا ينفع، لما في الأول من
الصفحة 19
482