كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 8)

ذلك هو عمر بن عبد العزيز، إذ فصل ولاية الأندلس عن ولاية المغرب، وولّى عليها سنة مائة للهجرة السمح بن مالك، فطبق سياسة عمر فى إنصاف الإسبان المغلوبين والمساواة فى الحقوق بينهم وبين المسلمين من العرب والبربر، ودفع الناس بقوة إلى الجهاد فى سبيل الله وراء جبال البرينيه فى غالة (فرنسا) وتوالت انتصاراته حتى مدينة تولوز، وثبّت أقدام المسلمين فى ولاية سبتمانية جنوبى فرنسا وعاصمتها أربونة بحذاء البحر المتوسط، ولم يلبث ان استشهد فى آخر سنة 102 للهجرة.
وكان عمر بن عبد العزيز قد توفى قبل السمح فعادت الأندلس تابعة لوالى المغرب، فولى عليها عنبسة الكلبى، واقتدى بالسمح فى متابعة الجهاد وراء جبال البرينيه واستولى على قرقشونة فى داخل سبتمانية، وتوغل فى وادى نهر الرون حتى سانس على بعد 70 كيلو مترا من باريس واستشهد سنة 107 وولّى عليها والى المغرب يحيى بن سلمة الكلبى وظل عليها حتى سنة 110 وكان شديد العصبية-مثل عنبسة الوالى قبله- لقبيلته كلب اليمنية، ولقيت قيس المضرية منهما الأمرين، وولى بعدهما ولاة قيسيون كالوا لكلب الصاع صاعين أهمهم الهيثم الكلابى وله بلاء حسن فى الجهاد بأرض غالة، ويقال إنه توغل فيها حتى ماسون شمالى ليون. ووليها عبد الرحمن الغافقى فأعاد إلى الأندلس الهدوء والنظام وقاد جيشا كبيرا لغزو غالة، وواصل انتصاراته بين نهرى جرونة ودوردونى، ومضى فى اتجاه اللوار وكان شارل مارتل قد حشد له جيشا كثيفا من الفرنج والألمان وشعوب الشمال الأوربى، والتقى به لسنة 114 هـ‍/732 م بين تور وبواتييه على بعد مائتى كيلو مترا من باريس، وصمد المسلمون عشرة أيام ينازلون أعدادا ضخمة، وفجأهم استشهاد قائدهم عبد الرحمن فى المعركة فانسحبوا. وولى الأندلس عبد الملك بن قطن الفهرى لمدة سنتين وخلفه عليها سنة 116 عقبة بن الحجاج القيسى وظل يليها خمس سنوات محمود السيرة، ورابط فى جليقية بأقصى الشمال الغربى من إيبيريا حتى لم يبق فيها قرية إلا فتحت ما عدا حصن بلاى بالقرب من خليج بسكاى لوعورة الطريق إليه، وتخطى جبال البرينيه إلى سبتمانية وعسكر بجيشه فى عاصمتها أربونة وتقدم على نهر الرون واستشهد فى قرقشونة. وباستشهاده يتوقف هذا المد العربى الإسلامى وراء جبال البرينيه فى غالة (فرنسا) بعد استمراره عشرين سنة أو تزيد، سجل فيها العرب صفحات انتصار مجيدة بجانب انتصاراتهم وفتوحاتهم العظيمة فى إيبيريا.
وإنما عاق العرب عن المضى فى هذه الفتوحات والانتصارات ما أفضوا إليه فى الأندلس-منذ أول العقد الثالث فى القرن الثانى-من عصبيات عنيفة أخذت تضطرم

الصفحة 21