كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 8)

جوانب حضارية جديدة فى الملبس والمأكل والهيئة.
وبنى عبد الرحمن بقرطبة دارا للسكة وضرب الدراهم باسمه، وهو الذى وضع أساس الحضارة الأندلسة من وجهة تنظيم الحكم وضبط قواعده إذ اتخذ مجلس وزراء جعل له رئيسا باسم الحاجب، وجعل له ولمرءوسيه من الوزراء بيتا فى قصره يجلسون فيه على فرش منضدة، وجعل الأمر شورى بينهم، واختص كل منهم بشأن من شئون الدولة فوزير للمال ويسمى الخازن ووزير للمظالم ووزير للثغور أو الحرب، وعدّ ابن حيان وزراءه وبلغ بهم ستة عشر طوال أيامه. وكان الوزراء يجتمعون مع رئيسهم يوميا، وكل منهم يعرض مسائله ويتشاورون فيها، وإذا قضوا بأمر عرضه الحاجب على الأمير، فإن قبله فبها وإلا ردّ إلى مجلس الوزراء لإعادة النظر فيه. وعلى نحو ما عنى عبد الرحمن بتنظيم الوزارة عنى بالخطط، وقد تكون للوزارة خطة واحدة كخطة المظالم وخطة الثغور، وكانت أهم الخطط خطط القضاء وأجلّها خطة قضاء الجماعة بقرطبة، ويليه خطة صاحب الرد فيما استرابه الحكام وردوه عن أنفسهم، وخطة الشرطة الوسطى (وقد تسمى الكبرى) وكان لصاحبها الضرب على أيدى أصحاب المناصب والجاه فى الظلامات، وخطة الشرطة الصغرى وكان صاحبها خاصا بالعامة، وخطة السوق لصاحب الحسبة المشرف على الأسواق. وبذلك كله أحكم عبد الرحمن النظام الإدارى للدولة، وظل هذا النظام بعده إلى نهاية أيامها. وكان لا يصدر فى أمر إلا بعد الرجوع إلى مجلس الوزراء، وكان له مستشارون من القضاة والفقهاء لا يحيد عن مشورتهم، وبذلك كله أرسيت قواعد الحكم الأموى فى قرطبة، إذ أصبح الحاكم يحكم عن طريق مجلس الوزراء والقضاة ورجال الدين، مما جعل الحكم هناك شوريا إلى حد كبير. وكان يقال لأيامه أيام العروس لما شمل الناس فيها من أمن ورخاء، وزاد فى جامع قرطبة رواقين فى الجنوب وبنى فى الأندلس جوامع كثيرة، وتولع مثله ببنائها جواريه.
وفى أيامه نشبت فتنة بين اليمنية والمضرية فى تدمير (مرسية) ظلت سبع سنوات إلى أن أخمدت، وكثيرا ما كانت جيوشه تغزو المسيحيين فى الشمال، وأحيانا كان يقود تلك الحملات بنفسه ويغنم غنائم كثيرة. وغزا النورمان (سكان إسكنديناوة) شواطئ الأندلس الغربية عند أشبونة وقادس فى آخر سنة 229 وصعدوا من مصب الوادى الكبير إلى إشبيلية، ونكل بهم قواده وولت فلولهم إلى المحيط. وأرسل إليه إمبراطور بيزنطة بهدية، فأرسل إليه الشاعر القرطبى يحيى الغزال بهدية مماثلة، ويقال إنه قضى فى بيزنطة ثلاث سنوات، ولما عاد أرسله بهدية إلى ملك النورمان، ونجح فى السفارتين

الصفحة 28