كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 8)

ووصلهما بجائزة كبيرة، ومن ذلك كتاب الحدائق لأحمد بن فرج الجيانى الذى ألفه له، وقد عارض به كتاب الزهرة لابن داود الأصبهانى، وكان ابن داود ذكر فى كتابه مائة باب فى كل باب مائة بيت فجعل الجيانى كتابه مائتى باب فى كل باب مائتا بيت ولم يورد فيه لغير شعراء الأندلس شيئا (¬1)، وسمع الحكم بكتاب الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى فأرسل إليه ألف دينار ذهبا ليبعث إليه بنسخة من الكتاب، فأرسل إليه نسخة منه منقّحة، وأرفقه بكتاب فى أنساب أسرته الأموية موشّحا بمناقبهم، فجدّد له الحكم الصلة الجزيلة، وصنع نفس الصنيع مع القاضى الأبهرى المالكى حين طلب إليه شرحه لمختصر ابن عبد الحكم فى الفقه المالكى (¬2).
ويقول ابن الأبّار: «لم يسمع فى الإسلام بخليفة بلغ مبلغ الحكم فى اقتناء الكتب والدواوين وإيثارها والاهتمام بها (¬3)» ويقول ابن خلدون: «اجتمعت بالأندلس لعهده خزائن من الكتب لم تكن لأحد من قبله ولا من بعده (¬4)». وكان له ورّاقون أو بعبارة أخرى جلاّب كتب بأقطار البلاد وعواصمها مثل الإسكندرية والقاهرة ودمشق وبغداد ينتخبون له نفائس الكتب، ويقال إن عدد الفهارس بمكتبته فى القصر كانت أربعا وأربعين فهرسا فى كل فهرس عشرون (¬5) ورقة-وفى رواية خمسون ورقة-وكانت الدار التى اتخذها لمكتبته أشبه بمجمع علمى، وكانت تزخر بالحذاق فى صناعة النسخ والتجليد (¬6) وبالعلماء الدارسين من كل صنف وبالمحققين الذين يقابلون مخطوطات الكتب المهمة بعضها على بعض مستخلصين منها للمكتبة نسخا منقحة غاية التنقيح. ويذكر الحميدى فى الجذوة أن الحكم مرّ يوما بأبى على القالى ومجموعة من العلماء يقابلون نسخ معجم العين وبينها نسخة القاضى منذر بن سعيد التى أخذها بالفسطاط عن عالم مصر اللغوى ابن ولاد، ومكث معهم قليلا يسألهم عن نسخ الكتاب (¬7). ويقول ابن الأبار منوها بثقافة الحكم ومعرفته بالكتب ومؤلفيها: «كان كثير الاهتمام بكتبه والتصحيح لها والمطالعة
¬_________
(¬1) انظر الجذوة ص 97 وبغية الملتمس ص 40 وابن دحية فى المطرب ص 4 ومعجم الأدباء 4/ 236.
(¬2) تاريخ ابن خلدون 4/ 146.
(¬3) انظر ترجمة الحكم فى الحلة السيراء لابن الأبار (طبع القاهرة) 1/ 200 وما بعدها.
(¬4) تاريخ ابن خلدون 4/ 146.
(¬5) المغرب لابن سعيد (طبع دار المعارف) 1/ 186 وراجع ترجمته فى الحلة السيراء وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 100.
(¬6) تاريخ ابن خلدون 4/ 146 ويقال كان بمكتبة الحكم أربعمائة ألف كتاب.
(¬7) جذوة المقتبس للحميدى ص 47 وما بعدها.

الصفحة 65