كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 8)

نحو مائة مجلد (¬1). وبثّ بنو ذى النون فى طليطلة حركة علمية وأدبية واسعة وخاصة فى عهد أميرهم المأمون يحيى بن إسماعيل، ويقول ابن سعيد: «لم يجتمع عند ملك من ملوك الأندلس ما اجتمع عنده من الوزراء والكتاب الأجلاء (¬2)». ونهضت سرقسطة فى أقصى الشمال بحركة علمية نشطة فى الرياضيات والفلك وبالمثل نشطت فى دراسة الفلسفة، وخاصة على عهد أميرها المؤتمن من بنى هود وله فى العلوم الرياضية تآليف مثل الاستهلال والمناظر (¬3) وكان مألفا للعلماء والأدباء والشعراء. وازدهرت فى المرية شرقى الأندلس نهضة علمية وأدبية واسعة قادها أحمد بن عباس الوزير لزهير الصقلبى أول أمرائها، وكان كاتبا مبدعا وشغف بجمع الكتب واقتنائها حتى قالوا إنه اقتنى منها أربعمائة ألف مجلد (¬4)، وصارت الإمارة سريعا إلى بنى صمادح فانتعش بهم العلم والشعر وخاصة فى عهد أميرها المعتصم وكان شاعرا مجيدا كما كان ممدّحا أكثر الشعراء من مديحه (¬5). وتكاثر العلماء والشعراء المبدعون فى مرسيه وبلنسية فى شرقى الأندلس وقاد مجاهد صاحب دانية هناك حركة علمية وأدبية، وكان عالما بالعربية وعلوم القرآن، وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من نظرائه، ووفد عليه العلماء الأجلاء والشعراء الأفذاد، وشاع العلم فى حضرته حتى فشا فى جواريه وغلمانه (¬6). وكان لغرناطة فى جنوبى الأندلس ما لأخواتها الأندلسيات من النشاط العلمى والأدبى، وظلت قرطبة تفوح بشذاها العطر فى الفلسفة والعلوم والآداب.
واستولى ألفونس السادس على طليطلة سنة 478 للهجرة، واستقر فى نفوس أمراء الطوائف أن لا حول لهم ولا قوة إزاءه وإزاء المسيحيين بالشمال فاستغاثوا بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين فى المغرب فلباهم، وأوقع بألفونس وجيوشه هزيمة ساحقة فى وقعة الزلاقة المشهورة، ورأى من الخير أن يضم شتات الأندلس ودويلاته المتنازعة تحت لوائه، لما ثبت له من فساد حكمهم وعجزهم عن مقاومة المسيحيين فى الشمال وبذلك أظل الأندلس حكم دولة المرابطين إلى أواخر العقد الرابع من القرن الخامس، وعظم شأن
¬_________
(¬1) المغرب لابن سعيد 1/ 364 ويذكر أنه اجتمع عنده ابن شرف حسنة القيروان وعبد الله بن خليفة المصرى الحكيم وأبو الفضل البغدادى الأديب.
(¬2) المغرب 2/ 12.
(¬3) تاريخ ابن خلدون 4/ 162.
(¬4) المغرب 2/ 206.
(¬5) انظر ابن الأبار فى الحلة السيراء 2/ 82 ويقول كان يجلس يوما فى كل أسبوع للفقهاء والخواص فيتناظرون بين يديه فى التفسير والحديث.
(¬6) المغرب 2/ 401 وأعمال الأعلام للسان الدين ابن الخطيب (نشر بروفنسال) ص 256 والبيان المغرب 3/ 157.

الصفحة 68