كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 8)

ولا تقل عنها روعة موشحة على بن حزمون فى بكاء بطل بلنسية أبى الحملات قائد الأعنة حين استشهد فى معركة ضارية مع حملة الصليب بعد أن مزّق كثيرين منهم تمزيقا.
ويتميز ابن وهبون فى مراثيه بتأملات عميقة فى حقائق الموت والحياة. وبجانب مراثى الأفراد مراث للدول الأندلسية حين تغرب شمسها وتدور عليها الدوائر مثل مراثى ابن اللبانة لدولة المعتمد بن عباد حين استولى يوسف بن تاشفين على إمارته بإشبيلية ونفاه إلى أغمات بالمغرب، ولابن عبدون مرثية طويلة لدولة المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس حين فتك به المرابطون على أبواب مدينته، وفيها يسوق ابن عبدون الأمثال من الملوك الغابرة والدول الداثرة وكل ما على الأرض من حيوان كاسر وطير جارح فإن كل ذلك إلى فناء. وأنشد الفصل خواطر شتى فى الزهد وخاصة لأبى إسحق الإلبيرى كما أنشد خوالج وجدانية متنوعة فى التصوف الفلسفى الإسلامى عند ابن عربى وغيره.
وتكاثرت المدائح النبوية على لسان كثيرين مثل ابن جابر الأندلسى. ومنذ سقوط طليطلة فى حجر حملة الصليب يستصرخ أهل الأندلس المغاربة والعرب لرد عدوانهم، ويكثر هذا الاستصراخ منذ القرن السابع الهجرى حين أخذت تسقط المدن الكبرى:
قرطبة وأخواتها فى حجور النصارى الشماليين على نحو ما هو معروف من استصراخ ابن الأبار وأبى البقاء الرّندى.
والفصل الخامس خاص بالنثر وكتّابه، ويبتدئ بعرض روائع الأندلسيين فى الرسائل الديوانية مع الترجمة لأهم كتابها الرسميين، وجعلهم جهادهم الدائب للنصارى الشماليين ونزالهم الضّارى لهم يكثرون فى تلك الرسائل من تصوير مواقعهم معهم والتحول بتلك الرسائل أحيانا إلى ما يشبه منشورات حربية تستثير حمية أهل الأندلس والمغرب لسحق أعداء الدين الحنيف سحقا لا يبقى منهم ولا يذر، ومن أروع تلك الرسائل المنشور الذى وجهه أبو محمد بن عبد البر إلى أهل الأندلس لحمل السلاح والأخذ بثأر مدينة «بربشتر» حين نكّل بها النورمانديون ونصارى الشمال على حين غفلة من أهلها سنة 456 هـ‍ وتوالت مثل هذه الصيحات، ومزّق المغيرون شر ممزق. ولابن القصيرة رسالة ديوانية بديعة يصور فيها انتصار ابن تاشفين والأندلسيين فى موقعة الزلاقة وقد بلغ من كثرة قتلى النصارى فيها أن كان الناس يصنعون من رءوسهم صوامع يؤذنون عليها.
ولابن أبى الخصال منشور حربى ملتهب للحض على خوض معركة حامية الوطيس، ولابن الخطيب تصوير حماسى لمنازلة أمير غرناطة الغنى بالله النصارى فى جيّان. وحرىّ بالعرب فى كل عصر أن يرفعوا هذه الرسائل الديوانية الأندلسية وما يماثلها شعارات

الصفحة 9