كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 10 "
وبالبعث ، لأن الراكب في مظنة الهلاك بالغرق إذا ركب الفلك ، وبعثور الدابة ، إذ ركوبها أمر فيه خطر ، ولا تؤمن السلامة فيه . فقوله هذا تذكير بأنه مستشعر الصيرورة إلى الله ، ومستعد للقائه ، فهو لا يترك ذلك من قلبه ولا لسانه . ) وَجَعَلُواْ لَهُ ( : أي وجعل كفار قريش والعرب له ، أي لله . من عباده : أي ممن هم عبيد الله . جزءاً ، قال مجاهد : نصيباً وحظاً ، وهو قول العرب : الملائكة بنات الله . وقال قتادة جزءاً ، أي نداً ، وذلك هو الأصنام وفرعون ومن عبد من دون الله . وقيل : الجزء : الإناث . قال بعض اللغويين : يقال أجزأت المرأة ، إذا ولدت أنثى . قال الشاعر : إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب
قد تجزىء الحرة المذكار أحيانا
قيل : هذا البيت مصنوع ، وكذا قوله :
زوجتها من بنات الأوس مجزئة
الزخرف : ( 15 ) وجعلوا له من . . . . .
ولما تقدم أنهم معترفون بأنه تعالى هو خالق العالم ، أنكر عليهم جعلهم لله جزءاً ، وقد اعترفوا بأنه هو الخالق ، فكيف وصفوه بصفة المخلوق ؟ ) إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ( نعمة خالقه . ) مُّبِينٌ ( : مظهر لجحوده . والمراد بالإنسان : من جعل لله جزءاً ، وغيرهم من الكفرة . قال ابن عطية : ومبين في هذا الموضع غير متعد . انتهى . وليس يتعين ما ذكر ، بل يجوز أن يكون معناه ظاهراً لكفران النعم ومظهراً لجحوده ، كما قلنا .
الزخرف : ( 16 - 17 ) أم اتخذ مما . . . . .
( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ ( ؟ استفهام إنكار وتوبيخ لقلة عقولهم ؟ كيف زعموا أنه تعالى اتخذ لنفسه ما أنتم تكرهونه حين أنتم تسود وجوهكم عند التبشير بهن وتئدونهن ؟ ) وَأَصْفَاكُم ( : جعل لكم صفوة ما هو محبوب ، وذلك البنون . وقوله : ) مِمَّا يَخْلُقُ ( ، تنبيه على استحالة الولد ، ذكراً كان أو أنثى ، وإن فرض اتخاذ الولد ، فكيف يختار له الأدنى ويخصكم بالأعلى ؟ وقدم البنات ، لأنه المنكر عليهم لنسبتهن إلى الله ، وعرف البنين دون البنات تشريفاً لهم على البنات . ) وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ ( : تقدم تفسير نظيرها في سورة النحل .
الزخرف : ( 18 ) أو من ينشأ . . . . .
( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ ( : أي ينتقل في عمره حالاً فحالاً في الحلية ، وهو الحلي الذي لا يليق إلا بالإناث دون الفحول ، لنزينهن بذلك لأزواجهن ، وهو إن خاصم ، لا يبين لضعف العقل ونقص التدبر والتأمل ، أظهر بهذا لحقوقهن وشفوف البنين عليهن . وكان في ذلك إشارة إلى أن الرجل لا يناسب له التزين كالمرأة ، وأن يكون مخشوشناً . والفحل من الرجال أبى أن يكون متصفاً بصفات النساء ، والظاهر أنه أراد بمن ينشؤ في الحلية : النساء . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : ويدل عليه قوله : ) وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( : أي لا يظهر حجة ، ولا يقيم دليلاً ، ولا يكشف عما في نفسه كشفاً واضحاً . ويقال : قلما تجد امرأة لا تفسد الكلام ، وتخلط المعاني ، حتى ذكر عن بعض الناس أنه قال : إذا دخلنا على فلانة ، لا تخرج حتى نعلم أن عقلها امرأة . وقال ابن زيد : المراد بمن ينشؤ في الحلية : الأصنام ، وكانوا يتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة ، ويجعلون الحلي على كثيرة منها ، ويبعد هذا القول قوله : ) وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( ، إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإنه كقوله :
على لاحب لا يهتدى بمناره
أي : لا منار له فيهتدى به . ومن : في موضع نصب ، أي وجعلوا من ينشأ . ويجوز أن يكون في موضع رفع على

الصفحة 10