" صفحة رقم 116 "
إذا سئلوا ما لهم من علا
أشاروا إلى أعظم ناخره
ومن ذلك : افتخار أولاد مشايخ الزوايا الصوفية بآبائهم ، واحترام الناس لهم بذلك وتعظيمهم لهم ، وإن كان الأولاد بخلاف الآباء في الدين والصلاح . وقرأ الجمهور : إن ، بكسر الهمزة ؛ وابن عباس : بفتحها ، وكان قرأ : لتعرفوا ، مضارع عرف ، فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا ، وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر ، وهو أجود من حيث المعنى . وأما إن كانت لام كي ، فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوباً وقبائل لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى . فإن جعلت مفعول لتعرفوا محذوفاً ، أي لتعرفوا الحق ، لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ساغ في لام لتعارفوا أن تكون لام كي .
الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . .
( قَالَتِ الاْعْرَابُ ءامَنَّا ( ، قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة ، قبيلة تجاور المدينة ، أظهروا الإسلام وقلوبهم دخلة ، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا . وقيل : مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا آمنا فاستحققنا الكرامة ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله : ) قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( ، أكذبهم الله في دعوى الإيمان ، ولم يصرح بإكذابهم بلفظه ، بل بما دل عليه من انتفاء إيمانهم ، وهذا في أعراب مخصوصين . فقد قال الله تعالى : ) وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ( الآية .
( وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا ( ، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم ، وهو الاستسلام والانقياد ظاهراً ، ولم يواطىء أقوالكم ما في قلوبكم ، فلذلك قال : ) وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( : وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار ، وتبين أن قوله : ) لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي ، بل متصلاً بزمان الإخبار أيضاً ، لأنك إذا نفيت بلم ، جاز أن يكون النفي قد انقطع ، ولذلك يجوز أن تقول : لم يقم زيد وقد قام ، وجاز أن يكون النفي متصلاً بزمن الإخبار . فإذا كان متصلاً بزمن الإخبار ، لم يجز أن تقول : وقد قام ، لتكاذب الخبرين . وأما لما ، فإنها تدل على نفي الشيء متصلاً بزمان الإخبار ، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب . والظاهر أن قوله : ) لَّمّاً يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب . وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله : ) قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة ؛ قلت : ليس كذلك ، فإن فائدة قوله : ) لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( هو تكذيب دعواهم ، وقوله : ) وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم : ) وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا ( حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله : ) قُولُواْ ). انتهى .
والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا : ) قُولُواْ أَسْلَمْنَا ( غير مقيد بحال ، وأن ) وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ ( إخبار غير قيد في قولهم . وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد . انتهى ، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما ، إنما تنفي ما كان متصلاً بزمان الإخبار ، ولا تدل على ما ذكر ، وهي جواب لقد فعل ، وهب أن قد تدل على توقع الفعل . فإذا نفي ما دل على التوقع ، فكيف يتوهم أنه يقع بعد : ) وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ( بالإيمان والأعمال ؟ وهذا فتح لباب التوبة . وقرأ الجمهور : ) لاَ يَلِتْكُمْ ( ، من لات يليت ، وهي لغة الحجاز . والحسن والأعرج وأبو عمرو : ولا يألتكم ، من ألت ، وهي لغة غطفان وأسد .
الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
( ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ ( ، ثم تقتضي التراخي ، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان ، فقيل : من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان ، أي ثم أقول لم يرتابوا . وقيل : قد يخلص الإيمان ، ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه ، فنفي ذلك ، فحصل التراخي ، أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة ، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه . ) أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( : أي في قولهم آمنا ، حيث طابقت ألسنتهم عقائدهم ، وظهرت ثمرة ذلك عليهم بالجهاد بالنفس والمال . وفي سبيل الله يشمل جميع الطاعات البدنية والمالية ، وليسوا كأعراب بني أسد في قولهم آمنا ، وهم كاذبون في ذلك .
الحجرات : ( 16 ) قل أتعلمون الله . . . . .
( قُلْ أَتُعَلّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ ( ، هي منقولة من : علمت به ، أي شعرت به ، ولذلك تعدّت إلى واحد