" صفحة رقم 125 "
كما تقول : فلان حديد الذهن . وقال مجاهد : هو بصر العين ، أي احتدّ التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة . وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله ، وهو في كتاب ابن عطية . وكنى بالغطاء عن الغفلة ، كأنها غطت جميعه أو عينيه ، فهو لا يبصر . فإذا كان في القيامة ، زالت عنه الغفلة ، فأبصر ما كان لم يبصره من الحق .
ق : ( 23 ) وقال قرينه هذا . . . . .
( وَقَالَ قَرِينُهُ ( : أي من زبانية جهنم ، ( هَاذَا ( : العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر ، ( عَتِيدٌ ( : حاضر ، ويحسن هذا القول إطلاق ما على ما لا يعقل . وقال قتادة : قرينه : الملك الموكل بسوقه ، أي هذا الكافر الذي أسوقه لديّ حاضر . وقال الزهراوي : وقيل قرينه : شيطانه ، وهذا ضعيف ، وإنما وقع فيه أن القرين في قوله : ) رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ( هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف . ولفظ القرين اسم جنس ، فسائقه قرين ، وصاحبه من الزبانية قرين ، ومماشي الإنسان في طريقة قرين . وقيل : قرينه هنا : عمله قلباً وجوارحاً . وقال الزمخشري : وقال قرينه : هو الشيطان الذي قيض له في قوله ) نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ( ، يشهد له قوله تعالى : ) قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ( ، ( هَاذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ ( ، هذا شيء لدي ، وفي ملكتي عتيد لجهنم . والمعنى : أن ملكاً يسوقه ، وآخر يشهد عليه ، وشيطاناً مقروناً به يقول : قد أعتدته لجهنم وهيأته لها بإغواي وإضلالي . انتهى ، وهذا قول مجاهد . وقال الحسن ، وقتادة أيضاً : الملك الشهيد عليه . وقال الحسن أيضاً : هو كاتب سيئاته ، وما نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد وموصولة ، والظرف صلتها . وعتيد ، قال الزمخشري : بدل أو خير بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف . انتهى . وقرأ الجمهور : عتيد بالرفع ؛ وعبد الله : بالنصب على الحال ، والأولى إذ ذاك أن تكون ما موصولة .
ق : ( 24 - 26 ) ألقيا في جهنم . . . . .
( أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ ( : الخطاب من الله للملكين : السائق والشهيد . وقيل : للملكين من ملائكة العذاب ، فعلى هذا الألف ضمير الاثنين . وقال مجاهد وجماعة : هو قول إما للسائق ، وإما للذي هو من الزبانية ، وعلى أنه خطاب للواحد . وقال المبرد معناه : ألق ألق ، فثنى . وقال الفراء : هو من خطاب الواحد بخطاب الاثنين . وقيل : الألف بدل من النون الخفيفة ، أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهذه أقوال مرغوب عنها ، ولا ضرورة تدعو إلى الخروج عن ظاهر اللفظ لقول مجاهد . وقرأ الحسن : ألقين بنون التوكيد الخفيفة ، وهي شاذة مخالفة لنقل التواتر بالألف . ) كُلَّ كَفَّارٍ ( : أي يكفر النعمة والمنعم ؛ ) عَتِيدٌ ( ، قال قتادة : منحرف عن الطاعة . وقال الحسن : جاحد متمرد . وقال السدي : المساق من العند ، وهو عظم يعرض في الحلق . وقال ابن بحر : المعجب بما فيه .
( مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ ( ، قال قتادة ومجاهد وعكرمة : يعني الزكاة . وقيل : بخيل . وقيل : مانع بني أخيه من الإيمان ، كالوليد بن المغيرة ، كان يقول لهم : من دخل منكم فيه لم أنفعه بشيء ما عشت ، والأحسن عموم الخير في المال وغيره . ) مُرِيبٍ ( ، قال الحسن : شاك في الله أو في البعث . وقيل : متهم الذي جوزوا فيه أن يكون منصوباً بدلاً من كل كفار ، وأن يكون مجروراً بدلاً من كفار ، وأن يكون مرفوعاً بالابتداء مضمناً معنى الشرط ، ولذلك دخلت الفاء في خبره ، وهو فألقياه . والظاهر تعلقه بما قبله على جهة البدل ، ويكون فألقياه توكيداً . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون صفة من حيث يختص كفار بالأوصاف المذكورة ، فجاز وصفه بهذه المعرفة . انتهى . وهذا ليس بشيء لو وصفت النكرة بأوصاف كثيرة لم يجز أن توصف بالمعرفة .
ق : ( 27 ) قال قرينه ربنا . . . . .
( قَالَ قرِينُهُ ( : لم تأت هذه الجملة بالواو ، بخلاف ) وَقَالَ قَرِينُهُ ( قبله ، لأن هذه استؤنفت كما استؤنفت الجمل في حكاية التقاول في مقاولة موسى وفرعون ، فجرت مقاولة بين الكافر وقرينه ، فكأن الكافر قال ربي هو أطغاني ، ( قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ). وأما ) وَقَالَ قَرِينُهُ ( فعطف لدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين . وقول قرينه : ما قال له ، ومعنى ما أطغيته : تنزيه لنفسه من أنه أثر فيه ، ( وَلَاكِن كَانَ فِى ضَلَالٍ بَعِيدٍ ( : أي من نفسه لا مني ، فهو الذي استحب العمى على الهدى ، كقوله : ) وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن