كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 138 "
للإنكار ، وكأنه ثم محذوف تقديره : فامتنعوا من الأكل ، فأنكر عليهم ترك الأكل فقال : ) أَلا تَأْكُلُونَ ). وفي الحديث : ( إنهم قالوا إنا لا نأكل إلا ما أدينا ثمنه ، فقال لهم : وإني لا أبيحه لكم إلا بثمن ، قالوا : وما هو ؟ قال : أن تسموا الله عز وجل عند الابتداء وتحمدوه عند الفراغ من الأكل ، فقال بعضهم لبعض : بحق اتخذه الله خليلاً ) .
الذاريات : ( 28 ) فأوجس منهم خيفة . . . . .
( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ( : أي فلما استمروا على الامتناع من الأكل ، أوجس منهم خيفة ، وذلك أن أكل الضيف أمنة ودليل على انبساط نفسه ، وللطعام حرمة وذمام ، والامتناع منه وحشة . فخشي إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن امتناعهم من أكل طعامهم إنما هو لشر يريدونه ، فقالوا لا تخف ، وعرفوه أنهم ملائكة . وعن ابن عباس : وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب . وعلمهم بما أضمر في نفسه من الخوف ، إنما يكون باطلاع الله ملائكته على ما في نفسه ، أو بظهور أمارته في الوجه ، فاستدلوا بذلك على الباطن . وعن يحيى بن شداد : مسح جبريل عليه السلام بجناحه العجل ، فقام يدرج حتى لحق بأمه . ) بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ( : أي سيكون عليماً ، وفيه تبشير بحياته حتى يكون من العلماء . وعن الحسن : عليم نبي ؛ والجمهور : على أن المبشر به هو إسحاق بن سارة . وقال مجاهد : هو إسماعيل . وقيل : علم أنهم ملائكة من حيث بشروه بغيب ، ووقعت البشارة بعد التأنيس والجلوس ، وكانت البشارة بذكر ، لأنه أسر للنفس وأبهج ، ووصفه بعليم لأنها الصفة التي يختص بها الإنسان الكامل إلا بالصورة الجميلة والقوة .
الذاريات : ( 29 ) فأقبلت امرأته في . . . . .
( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ ( : أي إلى بيتها ، وكانت في زاوية تنظر إليهم وتسمع كلامهم . وقيل : ) فَأَقْبَلَتِ ( ، أي شرعت في الصياح . قيل : وجدت حرارة الدم ، فلطمت وجهها من الحياء . والصرة ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وسفيان : الصيحة . قال الشاعر : فألحقنا بالهاديات ودونه
حواجرها في صرة لم تزيل
وقال قتادة وعكرمة : الرنة . قيل : قالت أوّه بصياح وتعجب . وقال ابن بحر : الجماعة ، أي من النسوة تبادروا نظراً إلى الملائكة . وقال الجوهري : الصرة : الصيحة والجماعة والشدة . ) فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ( : أي لطمته ، قاله ابن عباس ، وكذلك كما يفعله من يرد عليه أمر يستهو له ويتعجب منه ، وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء . وقال السدي وسفيان : ضربت بكفها جبهتها ، وهذا مستعمل في الناس حتى الآن . ) وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ( : أي إنا قد اجتمع فيها أنها عجوز ، وذلك مانع من الولادة ، وأنها عقيم ، وهي التي لم تلد قط ، فكيف ألد ؟ تعجبت من ذلك .
الذاريات : ( 30 ) قالوا كذلك قال . . . . .
( قَالُواْ كَذَلِكِ ( : أي مثل القول الذي أخبرناك به ، ( قَالَ رَبُّكِ ( : وهو القادر على إيجاد ما يستبعد . وروي أن جبريل عليه السلام قال لها : انظري إلى سقف بيتك ، فنظرت ، فإذا جذوعه مورقة مثمرة . ) إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ ( : أي ذو الحكمة . ) الْعَلِيمُ ( بالمصالح .
ولما علم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنهم ملائكة ، وأنهم لا ينزلون إلا بإذن الله تعالى رسلاً ،
الذاريات : ( 31 - 32 ) قال فما خطبكم . . . . .
قال ) فَمَا خَطْبُكُمْ ( إلى : ) قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ( : أي ذوي جرائم ، وهي كبار المعاصي من كفر وغيره .
الذاريات : ( 33 ) لنرسل عليهم حجارة . . . . .
( لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ ( : أي لنهلكهم بها ، ( حِجَارَةً مّن طِينٍ ( : وهو السجيل ، طين يطبخ كما يطبخ الآجر حتى يصير في صلابة كالحجارة .
الذاريات : ( 34 ) مسومة عند ربك . . . . .
( مُّسَوَّمَةً ( : معلمة ، على كل واحد منها اسم صاحبه . وقيل : معلمة أنها من حجارة العذاب . وقيل : معلمة أنها ليست من حجارة الدنيا ، ( لِلْمُسْرِفِينَ ( : وهم المجاوزون الحد في الكفر .
الذاريات : ( 35 - 37 ) فأخرجنا من كان . . . . .
( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا ( : في القرية التي حل العذاب بأهلها . ) غَيْرَ بَيْتٍ ( : هو بيت لوط عليه السلام ، وهو لوط وابنتاه فقط ، وقيل : ثلاثة عشر نفساً . وقال الرماني : الآية تدل على أن الإيمان هو الإسلام ، وكذا قال الزمخشري ، وهما معتزليان .
( وَتَرَكْنَا فِيهَا ( : أي في القرية ، ( ءايَةً ( : علامة . قال ابن جريج : حجراً كبيراً جدًّا منضوداً . وقيل : ماء أسود منتن . ويجوز أن يكون فيها عائداً على الإهلاكة التي أهلكوها ، فإنها من أعاجيب الإهلاك ،

الصفحة 138