كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 141 "
عاتون .
الذاريات : ( 54 ) فتول عنهم فما . . . . .
( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ( : أي أعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة ، فلم يجيبوا . ) فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ ( : إذ قد بلغت ونصحت .
الذاريات : ( 55 ) وذكر فإن الذكرى . . . . .
( وَذَكّرْ فَإِنَّ الذّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ( : تؤثر فيهم وفيمن قدر الله أن يؤمن ، وما دل عليه الظاهر من الموادعة منسوخ بآية السيف . وعن عليّ ، كرم الله وجهه : لما نزل ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ( ، حزن المسلمون وظنوا أنه أمر بالتولي عن الجميع ، وأن الوحي قد انقطع ، نزلت ) وَذَكّرْ فَإِنَّ الذّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ( ، فسروا بذلك . ) إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( : أي ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ ( الطائعين ، قاله زيد بن أسلم وسفيان ، ويؤيده رواية ابن عباس ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) :
الذاريات : ( 56 ) وما خلقت الجن . . . . .
( وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين ) . وقال علي وابن عباس : ) إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( : إلا لآمرهم بعبادتي ، وليقروا لي بالعبادة . فعبر بقوله : ) لِيَعْبُدُونِ ( ، إذ العبادة هي مضمن الأمر ، فعلى هذا الجن والإنس عام . وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : إلا معدين ليعبدون ، وكأن الآية تعديد نعمه ، أي خلقت لهم حواس وعقولاً وأجساماً منقادة ، نحو : العبادة ، كما تقول : هذا مخلوق لكذا ، وإن لم يصدر منه الذي خلق له ، كما تقول : القلم مبري لأن يكتب به ، وهو قد يكتب به وقد لا يكتب به ، وقال الزمخشري : إلا لأجل العبادة ، ولم أرد من جميعهم إلا إياها . فإن قلت : لو كان مريداً للعبادة منهم ، لكانوا كلهم عباداً . قلت : إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها ، لأنه خلقهم ممكنين ، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها ، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . وقال مجاهد : ) إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( : ليعرفون . وقال ابن زيد : لأحملهم في العبادة على الشقاوة والسعادة . وقال الربيع بن أنس : إلا للعبادة ، قال : وهو ظاهر اللفظ . وقيل : إلا ليذلوا لقضائي . وقال الكلبي : إلا ليوحدون ، فالمؤمن يوحده في الشدة والرخاء ، والكافر في الشدة . وقال عكرمة : ليطيعون ، فأثيب العابد ، وأعاقب الجاحد . وقال مجاهد أيضاً : إلا للأمر والنهي .
الذاريات : ( 57 - 58 ) ما أريد منهم . . . . .
( مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ ( : أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم . ) وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ( : أي أن يطعموا خلقي ، فهو على حذف مضاف ، فالإضافة إلى الضمير تجوز ، قاله ابن عباس . وقيل : ) أَن يُطْعِمُونِ ( : أن ينفعون ، فذكر جزأ من المنافع وجعله دالاً على الجميع . وقال الزمخشري : يريد إن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم ، لأن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا في تحصيل معايشهم وأرزاقهم بهم ؛ فإما مجهز في تجارة يبغي ربحاً ، أو مرتب في فلاحة ليقتل أرضاً ، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته ، أو محتطب ، أو محتش ، أو مستق ، أو طابخ ، أو خابز ، أو ما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق . فأما مالك ملاك العبيد فقال لهم : اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم ، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم ، وأنا غني عنكم وعن مرافقكم ، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي ، فما هو إلا أن انا وحدي . انتهى ، وهو تكثير وخطابة . وقرأ ابن محيصن : ) الرَّزَّاقُ ( ، كما قرأ : ) وَفِى السَّمَاء ( : اسم فاعل ، وهي قراءة حميد . وقرأ الأعمش ، وابن وثاب : ) الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ( بالجر ، صفة للقوة على معنى الاقتدار ، قاله الزمخشري ، أو كأنه قال : ذو الأيد ، وأجاز أبو الفتح أن تكون صفة لذو وخفض على الجوار ، كقولهم : هذا جحر ضب خرب .
الذاريات : ( 59 ) فإن للذين ظلموا . . . . .
( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ( : هم أهل مكة وغيرهم من الكفار الذين كذبوا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، ذنوباً : أي حظاً ونصيباً ، ( مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ ( : من الأمم السابقة التي كذبت الرسل في الإهلاك والعذاب . وعن قتادة : سجلاً من عذاب الله مثل سجل أصحابهم . وقال الجوهري : الذنوب : الدلو الملأى ماء ، ولا يقال لها ذنوب وهي فارغة وجمعها العدد ، وفي الكثير ذنائب . والذنوب : الفرس الطويل الذنب ، والذنوب : النصيب ، والذنوب : لحم أسفل المتن . وقال ابن الأعرابي : يقال يوم ذنوب : أي طويل الشر لا ينقضي .
الذاريات : ( 60 ) فويل للذين كفروا . . . . .
( فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ( ، قيل : يوم بدر . وقيل : يوم القيامة ) الَّذِى يُوعَدُونَ ( : أي به ، أو يوعدونه .

الصفحة 141