كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 149 "
هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( : أي مجاوزون الحدّ في العناد مع ظهور الحق . وقرأ مجاهد : بل هم ، مكان : ) أَمْ هُمُ ( ، وكون الأحلام آمرة مجازاً لما أدت إلى ذلك ، جعلت آمرة كقوله : ) هَاذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا ). وحكى الثعلبي عن الخليل أنه قال : كل ما في سورة والطور من أم فاستفهام وليس بعطف .
الطور : ( 33 ) أم يقولون تقوله . . . . .
تقوله : اختلقه من قبل نفسه ، كما قال : ) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ ). وقال ابن عطية : تقوله معناه : قال عن الغير أنه قاله ، فهو عبارة عن كذب مخصوص . انتهى . ) بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ ( : أي لكفرهم وعنادهم ،
الطور : ( 34 ) فليأتوا بحديث مثله . . . . .
ثم عجزهم بقوله تعالى : ) فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ ( : أي مماثل للقرآن في نظمه ورصفه من البلاغة ، وصحة المعاني والأخبار بقصص الأمم السالفة والمغيبات ، والحكم إن كانوا صادقين في أنه تقوله ، فليقولوا هم مثله ، إذ هو واحد منهم ، فإن كانوا صادقين فليكونوا مثله في التقوّل . فقرأ الجحدري وأبو السمّال : ) بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ ( ، على الإضافة : أي بحديث رجل مثل الرسول في كونه أمياً لم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده ، أو مثله في كونه واحداً منهم ، فلا يجوز أن يكون مثله في العرب فصاحة ، فليأت بمثل ما أتى به ، ولن يقدر على ذلك أبداً .
الطور : ( 35 ) أم خلقوا من . . . . .
( أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء ( : أي من غير شيء حي كالجماد ، فهم لا يؤمرون ولا ينهون ، كما هي الجمادات عليه ، قاله الطبري . وقيل : ) مِنْ غَيْرِ شَىْء ( : أي من غير علة ولا لغاية عقاب وثواب ، فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون ، وهذا كما تقول : فعلت كذا وكذا من غير علة : أي لغير علة ، فمن للسبب ، وفي القول الأول لابتداء الغاية . وقال الزمخشري : ) أَمْ خَلَقُواْ ( : أم أحدثوا ؟ وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم ؛ ) مِنْ غَيْرِ شَىْء ( : من غير مقدر ، أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق ؟ ) بَل لاَّ يُوقِنُونَ ( : أي إذا سئلوا : من خلقكم وخلق السموات والأرض ؟ قالوا : الله ، وهم شاكون فيما يقولون لا يوقنون . أم خلقوا من غير رب ولا خالق ؟ أي أم أحدثوا وبرزوا للوجود من غير إله يبرزهم وينشئهم ؟ ) أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ( لأنفسهم ، فلا يعبدون الله ، ولا يأتمرون بأوامره ، ولا ينتهون عن مناهيه . والقسمان باطلان ، وهم يعترفون بذلك ، فدل على بطلانهم . وقال ابن عطية : ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم ، أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون ؟
الطور : ( 36 ) أم خلقوا السماوات . . . . .
ثم خصص من تلك الأشياء السموات والأرض لعظمها وشرفها في المخلوقات ، ثم حكم عليهم بأنهم لا يوقنون ولا ينظرون نظراً يؤديهم إلى اليقين .
الطور : ( 37 ) أم عندهم خزائن . . . . .
( أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ ( ، قال الزمخشري : خزائن الرزق ، حتى يرزقوا النبوة من شاءوا ، أو : أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة ؟ ) أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ( : الأرباب الغالبون حتى يدبرون أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم . وقال ابن عطية : أم عندهم الاستغناء عن الله تعالى في جميع الأمور ، لأن المال والصحة والقوة وغير ذلك من الأشياء كلها من خزائن الله تعالى . وقال الزهراوي : وقيل يريد بالخزائن : العلم ، وهذا قول حسن إذا تؤمل وبسط . وقال الرماني : خزائنه تعالى : مقدوراته . انتهى . والمسيطر ، قال ابن عباس : المسلط القاهر . وقرأ الجمهور : المصيطرون بالصاد ؛ وهشام وقنبل وحفص : بخلاف عنه بالسين ، وهو الأصل ؛ ومن أبدلها صاداً ، فلأجل حرف الاستعلاء وهو الطاء ، وأشم خلق عن حمزة ، وخلاد عنه بخلاف عنه الزاي .
الطور : ( 38 ) أم لهم سلم . . . . .
( أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ ( منصوب إلى السماء ، ( يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ( : أي عليه أو منه ، إذ حروف الجر قد يسد بعضها مسد بعض ، وقدره الزمخشري : صاعدين فيه ، ومفعول يستمعون محذوف تقديره : الخبر بصحة ما يدعونه ، وقدره الزمخشري : ما يوحى إلى الملائكة من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون . ) بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( : أي بحجة واضحة بصدق استماعهم مستمعهم ،
الطور : ( 40 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً ( على الإيمان بالله وتوحيده واتباع شرعه ، ( فَهُمُ ( من ذلك المغرم الثقيل اللام ) مُّثْقَلُونَ ( ، فاقتضى زهدهم في اتباعك .
الطور : ( 41 ) أم عندهم الغيب . . . . .
( أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ ( : أي اللوح المحفوظ ، ( فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( : أي يثبتون ذلك للناس شرع ، وذلك عبادة الأوثان وتسييب

الصفحة 149