" صفحة رقم 20 "
يصلح لحقيقته ، كثير منه مساءلة الشعراء الديار والأطلال ، ومنه : سيد الأرض من شق نهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإنها إن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً . فالسؤال هنا مجاز عن النظر في أديانهم : هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء ؟ والذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات ، فقيل له : اسأل أيها الناظر أتباع الرسل ، أجاءت رسلهم بعبادة غير الله ؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع ، ولا يمكن أن يأتوا به . وأبعد من ذهب إلى أن المعنى : واسألني ، واسألنا عن من أرسلنا ، وعلق واسأل ، فارتفع من ، وهو اسم استفهام على الابتداء ، وأرسلنا خبره في موضع نصب باسأل بعد إسقاط الخافض ، كان سؤاله : من أرسلت يا رب قبلي من رسلك ؟ أجعلت في رسالته آلهة تعبد ؟ ثم ساق السؤال فحكى المعنى ، فرد الخطاب إلى محمد في قوله : ) مِن قَبْلِكَ ). ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِئَايَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلاَيْهِ فَقَالَ إِنّى رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا جَاءهُم بِئَايَاتِنَا إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَقَالُواْ يأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ ياقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَاذِهِ الاْنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلاَ تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لّلاْخِرِينَ ).
الزخرف : ( 46 - 47 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
مناسبة هذه الآية لما قبلها من وجهين : أحدهما : أنه لما تقدم طعن قريش على الرسول ، واختيارهم أن ينزل القرآن على رجل من القريتين عظيم ، أي في الجاه والمال ؛ وذكر أن مثل ذلك سبقهم إليه فرعون في قوله : ) أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ ( ؟ إلى آخر الآية ، أتبعه بالملك والمال ، ففرعون قدوتهم في ذلك ، ومع ذلك ، فصار فرعون مقهوراً مع موسى منتقماً منه ، فكذلك قريش . والوجه الثاني : أنه لما قال : ) وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ( الآية ، ذكر وقته موسى وعيسى ، وهما أكبر إتباعاً ممن سبقهم من الأنبياء ، وكل جاء بالدعاء إلى الله وإفراده بالعبادة ، فلم يكن فيما جاء أبداً إباحة اتخاذ آلهة من دون الله ، كما اتخذت قريش ، فناسب ذكر قصتهما للآية التي قبلها . وآيات موسى هي المعجزات التي أتى بها . وخص الملائكة بالذكر ، وهم الأشراف لأن غيرهم من الناس تبع .
( فَلَمَّا جَاءهُم بِئَايَاتِنَا ( ، قبله كلام محذوف تقديره : فطالبوه بما يدل على صحة دعواه الرسالة من الله . ) فَلَمَّا جَاءهُم بِئَايَاتِنَا ( ، وهي انقلاب العصا ثعباناً وعودها عصاً ، وإخراج اليد البيضاء نيرة ، وعودها إلى لونها الأول ، ( إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ ( ، أي فاجأهم الضحك بحيث لم يفكروا ولم يتأملوا ، بل بنفس ما رأوا ذلك ضحكوا سخرية واستهزاء ، كما كانت قريش تضحك . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة ؟ قلت : لأن فعل المفاجأة معها مقدر ، وهو عامل النصب في محلها ، كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجؤوا وقت ضحكهم . انتهى . ولا نعلم نحوياً ذهب إلى ما ذهب إليه هذا الرجل ، من أن إذا الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر تقديره فاجأ ، بل المذاهب فيها ثلاثة : مذهب أنها حرف ، فلا تحتاج إلى عامل ، ومذهب أنها ظرف مكان ، فإن صرح بعد الاسم بعدها بخبر له كان ذلك الخبر عاملاً فيها نحو : خرجت فإذا زيد قائم ، فقائم ناصب لإذا ، كأن التقدير : خرجت ففي المكان الذي خرجت فيه زيد قائم ؛ ومذهب أنها ظرف زمان ، والعامل فيه الخبر أيضاً ، كأنه قال : ففي الزمان الذي خرجت فيه زيد قائم ، وإن لم يذكر بعد الاسم خبر ، أو ذكر اسم منصوب على الحال ، كانت إذا خبراً للمبتدأ . فإن كان المبتدأ جثة ، وقلنا إذا ظرف