كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 35 "
مُنتَقِمُونَ ( ، قال : يعني يوم بدر . وقال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم . وقال عبد الرحمن الأعرج : ) يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء ( ، هو يوم فتح مكة ، لما حجبت السماء الغبرة . وفي حديث حذيفة : أول الآيات خروج الدجال ، والدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن ؛ وفيه قلت : يا نبي الله ، وما الدخان على هذه الآية : ) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ( ؟ وذكر بقية الحديث ، واختصرناه بدخان مبين ، أي ظاهر . لا شك أنه دخان ) يَغْشَى النَّاسَ ( : يشملهم . فإن كان هو الذي رأته قريش ، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة ، وقد مضى كما قال ابن مسعود ؛ وإن كان من أشراط الساعة ، أو يوم القيامة ، فالناس عام فيمن أدركه وقت الأشراط ، وعام بالناس يوم القيامة . ) هَاذَا عَذَابٌ ( إلى ) مُؤْمِنُونَ ( في موضع نصب بفعل القول محذوفاً ، وهو في موضع الحال ، أي يقولون . ويجوز أن يكون إخباراً من الله ، كأنه تعجب منه ، كما قال في قصة الذبيح : ) إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ ).
) إِنَّا مْؤْمِنُونَ ( : وعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب ، والإيمان واجب ، كشف العذاب أو لم يكشف . ) أَنَّى لَهُمُ الذّكْرَى ( : أي كيف يذكرون ويتعظون ويقولون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب ، وقد جاءهم ما هو أعظم ؟ وأدخل في باب الادكار من كشف الدخان ؟ وهو ما ظهر على يد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) من الآيات والبينات ، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات ، فلم يذكروا ، وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاسا غلاماً أعجمياً لبعض ثقيف هو الذي علمه ، ونسبوه إلى الجنون . وقرأ زر بن حبيش : معلم ، بكسر اللام . ) إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً ( : إخبار عن إقامة الحجة عليهم ، ومبالغة في الإملاء لهم . ثم أخبر أنهم عائدون إلى الكفر . وقال قتادة : هو توعد بمعاد الآخرة : وإن كان الخطاب لقريش حين حل بهم الجدب ، كان ظاهراً ؛ وإن كان الدخان قبل يوم القيامة ، فإذا أتت السماء بالعذاب ، تضرع منافقوهم وكافروهم وقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب ، إنا مؤمنون . فيكشف عنهم ، قيل : بعد أربعين يوماً ؛ فحين يكشفه عنهم يرتدون .
الدخان : ( 16 ) يوم نبطش البطشة . . . . .
ويوم البطشة الكبرى على هذا : هو يوم القيامة ، كقوله : ) فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ). وكونه يوم القيامة ، هو قول ابن عباس والحسن وقتادة . وكونه يوم بدر ، هو قول عبد الله وأبي وابن عباس ومجاهد . وانتصب يوم نبطش ، قيل : بذكراهم ، وقيل : بننتقم الدال عليه منتقمون ، وضعف بأنه لا نصب إلا بالفعل ، وقيل : بمنتقمون . ورد بأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها . وقرأ الجمهور : نبطش ، بفتح النون وكسر الطاء ؛ والحسن ، وأبو جعفر : بضمها ؛ والحسن أيضاً ، وأبو رجاء ، وطلحة : بضم النون وكسر الطاء ، بمعنى : نسلط عليهم من يبطش بهم . والبطشة على هذه القراءة ليس منصوباً بنبطش ، بل بمقدر ، أي نبطش ذلك المسلط البطشة ، أو يكون البطشة في معنى الإبطاشة ، فينتصب بنبطش .
الدخان : ( 17 ) ولقد فتنا قبلهم . . . . .
( وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ( : هذا كالمثال لقريش ، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليه السلام ، فكذبوه ، فأهلكهم الله . وقرىء : فتنا ، بتشديد التاء ، للمبالغة في الفعل ، أو التكثير ، متعلقة ) وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ( : أي كريم عند الله وعند المؤمنين ، قاله الفراء ؛ أو كريم في نفسه ، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس ، قاله أبو سليمان ؛ أو كريم حسن الخلق ، قاله مقاتل .
الدخان : ( 18 ) أن أدوا إلي . . . . .
( أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ ( يحتمل أن تكون أن تفسيرية ، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول ، وهو رسول كريم ، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع ، فإنها توصل بالأمر . قال ابن عباس : أن أدوا إليّ الطاعة يا عباد الله : أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان . وقال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل ، كم قال : فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم . فعلى ابن عباس : عباد الله : منادى ، ومفعول أدوا محذوف ؛ وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه : عباد الله : مفعول أدوا . ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( : أي غير متهم ، قد ائتمنني الله على وحيه ورسالته .
الدخان : ( 19 ) وأن لا تعلوا . . . . .
( وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ ( : أي لا تستكبروا على عبادة الله ، قاله يحيي بن سلام . قال ابن جريح : لا تعظموا على الله . قيل : والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر ، والاستكبار ترفع المحتقر ، ذكره الماوردي ، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة . ) وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ( : أي بحجة واضحة في

الصفحة 35