" صفحة رقم 36 "
نفسها ، وموضحة صدق دعواي . وقرأ الجمهور : إني ، بكسر الهمزة ، على سبيل الإخبار ؛ وقرأت فرقة : بفتح الهمزة . والمعنى : لا تعلوا على الله من أجل أني آتيكم ، فهذا توبيخ لهم ، كما تقول : أتغضب إن قال لك الحق ؟
الدخان : ( 20 - 22 ) وإني عذت بربي . . . . .
( وَإِنّى عُذْتُ ( : أي استجرت ) بِرَبّى وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ( : كانوا قد توعدوه بالقتل ، فاستعاذ من ذلك . وقرىء : عدت ، بالإدغام . قال قتادة وغيره : الرجم هنا بالحجارة . وقال ابن عباس ، وأبو صالح : بالشتم ؛ وقول قتادة أظهر ، لأنه قد وقع منهم في حقه ألفاظ لا تناسب ؛ وهذه المعاذة كانت قبل أن يخبره تعالى بقوله : ) فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ).
) فَدَعَا رَبَّهُ ( : أني مغلوب فانتصر ، ( إِنَّ هَؤُلآء ( : لفظ تحقير لهم . وقرأ الجمهور : أن هؤلاء ، بفتح الهمزة ، أي بأن هؤلاء . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى ، والحسن في رواية ، وزيد بن علي : بكسرها .
الدخان : ( 23 ) فأسر بعبادي ليلا . . . . .
( فَأَسْرِ بِعِبَادِى ( : في الكلام حذف ، أي فانتقم منهم ، فقال له الله : أسر بعبادي ، وهم بنوا إسرائيل ومن آمن به من القبط . وقال الزمخشري : فيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء ، فقال : أسر بعبادي ، وأن يكون جواباً بالشرط محذوف ؛ كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول ، فأسر بعبادي . انتهى . وكثيراً ما يجيز هذا الرجل حذف الشرط وإبقاء جوابه ، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح ؛ كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو ، على خلاف في ذلك . ) إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ ( : أي يتبعكم فرعون وجنوده ، فتنجون ويغرق المتبعون .
الدخان : ( 24 ) واترك البحر رهوا . . . . .
( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً ( : قال ابن عباس : ساكناً كما أجراه . وقال مجاهد وعكرمة : يبساً من قوله : ) فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى الْبَحْرِ يَبَساً ). وقال الضحاك : دمثاً ليناً . وقال عكرمة : جدداً . وقال ابن زيد : سهلاً . وقال مجاهد أيضاً : منفرداً . قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ، لما قطعه ، حتى يلتئم ؛ وخاف أن يتبعه فرعون ، فقيل : لمه هذا ؟ ) إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ( : أي فيه ، لأنهم إذا رأوه ساكناً على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل ، أو مفتوحاً طريقاً يبساً ، دخلوا فيه ، فيطبقه الله عليهم .
الدخان : ( 25 - 28 ) كم تركوا من . . . . .
( كَمْ تَرَكُواْ ( : أي كثيراً تركوا . ) مّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( : تقدم تفسيرهما في الشعراء . وقرأ الجمهور : ) وَمَقَامٍ ( ، بفتح الميم . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : أراد المقام . وقرأ ابن هرمز ، وقتادة ، وابن السميفع ، ونافع : في رواية خارجة بضمها . قال قتادة : أراد المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها . ) وَنَعْمَةٍ ( ، بفتح النون : نضارة العيش ولذاذة الحياة . وقرأ أبو رجاء : ) وَنَعْمَةٍ ( ، بالنصب ، عطفاً على كم ) كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ). قرأ الجمهور : بألف ، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ، كلابن ، وتامر ، وأبو رجاء ، والحسن : بغير ألف . والفكه يستعمل كثيراً في المستخف المستهزىء ، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها . وقال الجوهري : فكه الرجل ، بالكسر ، فهو فكه إذا كان مزاجاً ، والفكه أيضاً الأشر . وقال القشيري : فاكهين : لاهين كذلك . وقال الزجاج : والمعنى : الأمر كذلك ، فيوقف على كذلك ؛ والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛ وقيل : الكاف في موضع نصب ، أي يفعل فعلاً كذلك ، لمن يريد إهلاكه . وقال الكلبي : كذلك أفعل بمن عصاني . وقال الحوفي : أهلكنا إهلاكاً ، وانتقمنا انتقاماً كذلك . وقال الزمخشري : الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها ، ( وَأَوْرَثَنَا قَوْماً ءاخَرِينَ ( ليسوا منهم ، وهم بنوا إسرائيل . كانوا مستعبدين في يد القبط ، فأهلك الله تعالى القبط على أيديهم وأورثهم ملكهم . وقال قتادة ، وقال الحسن : إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون ، وضعف قول قتادة بأنه لم يرو في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان ، ولا ملكوها قط ؛ إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشأم . انتهى . ولا اعتبار بالتواريخ ، فالكذب فيها كثير ، وكلام الله صدق . قال تعالى في سورة الشعراء : ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِى إِسْراءيلَ ( وقيل : قوماً آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل .
الدخان : ( 29 ) فما بكت عليهم . . . . .
( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالاْرْضُ ( : استعارة لتحقير أمرهم ، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء . ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . وقال زيد بن مفرغ :