كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 38 "
الحمقاء .
الدخان : ( 31 ) من فرعون إنه . . . . .
و ) مِن فِرْعَوْنَ ( : بدل ) مّنَ الْعَذَابِ ( ، على حذف مضاف ، أي من عذاب فرعون . أولاً حذف جعل فرعون نفسه هو العذاب مبالغة . وقيل : يتعلق بمحذوف ، أي كائناً وصادراً من فرعون . وقرأ ابن عباس : ) مِن فِرْعَوْنَ ( ، من : استفهام مبتدأ ، وفرعون خبره . لما وصف فرعون بالشدة والفظاعة قال : من فرعون ؟ على معنى : هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته ؟ ثم عرف حاله في ذلك بقوله : ) إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ( : أي مرتفعاً على العالم ، أو متكبراً مسرفاً من المسرفين .
الدخان : ( 32 ) ولقد اخترناهم على . . . . .
( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ ( : أي اصطفيناهم وشرفناهم . ) عَلَى عِلْمٍ ( علم مصدر لم يذكر فاعله ، فقيل : على علم منهم ، وفضل فيهم ، فاخترناهم للنبوات والرسالات . وقيل : على علم منا ، أي عالمين بمكان الخيرة ، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا . وقيل : على علم منا بما يصدر من العدل والإحسان والعلم والإيمان ، بأنهم يزيفون ، وتفرط منهم الهنات في بعض الأموال . وقيل : اخترناهم بهذا الإنجاء وهذه النعم على سابق علم لنا فيهم ، وخصصناهم بذلك دون العالم . ) عَلَى الْعَالَمِينَ ( : أي عالمي زمانهم ، لأن أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) مفضلة عليهم . وقيل : على العالمين عام لكثرة الأنبياء فيهم ، وهذا خاص بهم ليس لغيرهم . وكان الاختيار من هذه الجهة ، لأن أمة محمد أفضل . وعلى ، في قوله : ) عَلَى عِلْمٍ ( ، ليس معناها معنى على في قوله : ) عَلَى الْعَالَمِينَ ( ، ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول ، كقوله : ويوماً على ظهر الكتيب تعذرت
عليّ وآلت حلفة لم يحلل
فعلى علم : حال ، إما من الفاعل ، أو من المفعول . وعلى ظهر : حال من الفاعل في تعذرت ، والعامل في ذي الحال .
الدخان : ( 33 ) وآتيناهم من الآيات . . . . .
( وَءاتَيْنَاهُم مِنَ الاْيَاتِ ( : أي المعجزات الظاهرة في قوم فرعون ، وما ابتلوا به ؛ وفي بني إسرائيل مما أنعم به عليهم من تظليل الغمام والمنّ والسلوى ، وغير ذلك مما لم يظهرها لغيرهم . ) مَا فِيهِ بَلَؤٌ اْ ( : أي اختبار بالنعم ظاهر ، أو الابتلاء بالنعم كقوله : ) وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ ).
الدخان : ( 34 - 35 ) إن هؤلاء ليقولون
) إِنَّ هَؤُلآء ( : يعني قريشاً ، وفي اسم الإشارة تحقير لهم . ) لَيَقُولُونَ إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الاْوْلَى ( : أي ما الموتة إلا محصورة في موتتنا الأولى . وكان قد قال تعالى : ) وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ( ، فذكر موتتين ، أولى وثانية ، فأنكروا هم أن يكون لهم موتة ثانية . والمعنى : ما آخر أمرنا ومنتهى وجودنا إلا عند موتتنا . فيتضمن قولهم هذا إنكار البعث ، ثم صرحوا بما تضمنه قولهم ، فقالوا : ) وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( : أي بمبعوثين بحياة دائمة يقع فيها حساب وثواب وعقاب ؛ وكان قولهم ذلك في معنى قولهم : ) إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ).
الدخان : ( 36 ) فأتوا بآبائنا إن . . . . .
( فَأْتُواْ بِئَابَائِنَا ( : خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وللمؤمنين الذين كانوا يعدونهم بالبعث ، أي إن صدقتم فيما تقولون ، فأحيوا لنا من مات من أبنائنا ، بسؤالكم ربكم ، حتى يكون ذلك دليلاً على البعث في الآخرة . قيل : طلبوا من الرسول أن يدعوا الله فيحيى لهم قصي بن كلاب ، ليشاوروه في صحة النبوة والبعث ، إذ كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل .
الدخان : ( 37 ) أهم خير أم . . . . .
( أَهُمْ ( : أي قريش ، ( خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ( ؟ الظاهر أن تبعاً هو شخص معروف ، وقع التفاضل بين قومه وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام . وإن كان لفظ تبع يطلق على كل من ملك العرب ، كما يطلق كسرى على من ملك الفرس ، وقيصر على من ملك الروم ؛ قيل : واسمه أسعد الحميري ، وكنى أبا كرب ؛ وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) قبل أن يبعث بسبعمائة سنة . وروي أنه لما آمن بالمدينة ، كتب كتاباً ونظم شعراً . أما الشعر فهو : شهدت على أحمد أنه
رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره
لكنت وزيراً له وابن عم
وأما الكتاب ، فروى ابن اسحاق وغيره أنه كان فيه : أما بعد : فإني آمنت بك ، وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على

الصفحة 38