" صفحة رقم 470 "
أنه تعالى أقسم بها لما جمعت من الشرفين ، شرفها بإضافتها إلى الله تعالى ، وشرفها بحضور رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وإقامته فيها ، فصارت أهلاً لأن يقسم بها .
البلد : ( 3 ) ووالد وما ولد
والظاهر أن قوله : ) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ( ، لا يراد به معين ، بل ينطلق على كل والد . وقال ابن عباس ذلك ، قال : هو على العموم يدخل فيه جميع الحيوان . وقال مجاهد : آدم وجميع ولده . وقيل : والصالحين من ذريته . وقيل : نوح وذريته . وقال أبو عمران الحوفي : إبراهيم عليه السلام وجميع ولده . وقيل : ووالد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما ولد إبراهيم عليه السلام . وقال الطبري والماوردي : يحتمل أن يكون الوالد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) لتقدم ذكره ، وما ولد أمته ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ) ، ولقراءة عبد الله : ) وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ( ، وهو أب لهم ، فأقسم تعالى به وبأمته بعد أن أقسم ببلده ، مبالغة في شرفه عليه الصلاة والسلام . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بوالد وما ولد ؟ قلت : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ومن ولده . أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه ، وحرم أبيه إبراهيم ، ومنشأ أبيه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، وبمن ولده وبه . فإن قلت : لم نكر ؟ قلت : للإبهام المستقل بالمدح والتعجب . فإن قلت : هلا قيل : ومن ولد ؟ قلت : فيه ما في قوله : ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ( : أي بأي شيء وضعت ، يعني موضوعاً عجيب الشأن . انتهى . وقال الفراء : وصلح ما للناس ، كقوله : ) مَا طَابَ لَكُمْ ( ، ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالاْنثَى ( ، وهو الخالق للذكر والأنثى . انتهى . وقال ابن عباس وعكرمة وابن جبير : المراد بالوالد الذي يولد له ، وبما ولد العاقر الذي لا يولد له . جعلوا ما نافية ، فتحتاج إلى تقدير موصول يصح به هذا المعنى ، كأنه قال : ووالد والذي ما ولد ، وإضمار الموصول لا يجوز عند البصريين .
البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . .
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ ( : هذه الجملة المقسم عليها . والجمهور : على أن الإنسان اسم جنس ، وفي كبد : يكابد مشاق الدنيا والآخرة ، ومشاقه لا تكاد تنحصر من أول قطع سرته إلى أن يستقر قراره ، إما في جنة فتزول عنه المشقات ؛ وإما في نار فتتضاعف مشقاته وشدائده . وقال ابن عباس وعبد الله بن شداد وأبو صالح والضحاك ومجاهد : ) فِى كَبَدٍ ( معناه : منتصب القامة واقفاً ، ولم يخلق منكباً على وجهه ، وهذا امتنان عليه . وقال ابن كيسان : منتصباً رأسه في بطن أمه ، فإذا أذن له بالخروج ، قلب رأسه إلى قدمي أمه . وعن ابن عمر : يكابد الشكر على السرّاء ، ويكابد الصبر على الضراء . وقال ابن زيد : ) الإِنسَانَ ( : آدم ، ( فِى كَبَدٍ ( : في السماء ، سماها كبداً ، وهذه الأقوال ضعيفة ، والأول هو الظاهر .
البلد : ( 5 ) أيحسب أن لن . . . . .
والظاهر أن الضمير في ) أَيَحْسَبُ ( عائد على ) الإِنسَانَ ( ، أي هو لشدة شكيمته وعزته وقوته يحسب أن لا يقاومه أحد ، ولا يقدر عليه أحد لاستعصامه بعدده وعدده .
البلد : ( 6 - 7 ) يقول أهلكت مالا . . . . .
يقول على سبيل الفخر : ) أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً ( : أي في المكارم وما يحصل به الثناء ، أيحسب أن أعماله تخفى ، وأنه لا يراه أحد ، ولا يطلع عليه في إنفاقه ومقصد ما يبتغيه مما ليس لوجه الله منه شيء ؟ بل عليه حفظة يكتبون ما يصدر منه من عمل في حياته ويحصونه إلى يوم الجزاء . وقيل : الضمير في ) أَيَحْسَبُ ( لبعض صناديد قريش . وقيل : هو أبو الأسد أسيد بن كلدة ، كان يبسط له الأديم العكاظي ، فيقوم عليه ويقول : من أزالني عنه فله كذا ، فلا ينزع إلا قطعاً ، ويبقى موضع قدميه . وقيل : الوليد بن المغيرة . وقيل : الحرث بن عامر بن نوفل ، وكان إذا أذنب استفتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، فيأمره بالكفارة ، فقال : لقد أهلكت مالاً لبداً في الكفارات والتبعات منذ تبعت محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقرأ الجمهور : لبداً ، بضم اللام وفتح الباء ؛ وأبو جعفر : بشدّ الباء ؛ وعنه وعن زيد بن علي : لبداً بسكون الباء ، ومجاهد وابن أبي الزناد : بضمهما .
البلد : ( 8 ) ألم نجعل له . . . . .
ثم عدّد تعالى على الإنسان نعمه فقال : ) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ( يبصر بهما ،
البلد : ( 9 ) ولسانا وشفتين
) وَلِسَاناً ( يفصح عما في باطنه ، ( وَشَفَتَيْنِ ( يطبقهما على فيه ويستعين بهما على الأكل والشرب والنفخ وغير ذلك .
البلد : ( 10 ) وهديناه النجدين
) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ ( ، قال ابن مسعود وابن عباس والجمهور : طريق الخير والشر . وقال ابن عباس أيضاً ، وعليّ وابن المسيب