كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 490 "
للحق والتولي عن الدّين الصحيح ، كما نقول نحن .
( أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ( ، ويطلع على أحواله من هداة وضلالة ، فيجازيه على حسب ذلك ، وهدا وعيد ، انتهى . وقال ابن عطية : الضمير في ) إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى ( عائد على المصلي ، وقاله الفراء وغيره . قال الفراء : المعنى ) أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى ( ، وهو على الهدى وأمر بالتقوى ، والناهي مكذب متول عن الذكر ، أي فما أعجب هذا ألم يعلم أبو جهل بأن الله تعالى يراه ويعلم فعله ؟ فهذا تقرير وتوبيخ ، انتهى . وقال : من جعل الضمير في ) إِن كَانَ ( عائداً على المصلي ، إنما ضم إلى فعل الصلاة الأمر بالتقوى ، لأن أبا جهل كان يشق عليه من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أمر أن : الصلاة والدعاء إلى الله تعالى ، ولأنه كان ( صلى الله عليه وسلم ) ) لا يوجد إلا في أمرين : إصلاح نفسه بفعل الصلاة ، وإصلاح غيره بالأمر بالتقوى . وقال ابن عطية : ) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ( : إكمال التوبيخ والوعيد بحسب التوفيقات الثلاثة يصلح مع كل واحد منها ، يجاء بها في نسق . ثم جاء بالوعيد الكافي بجميعها اختصاراً واقتضاباً ، ومع كل تقرير تكلمة مقدرة تتسع العبارات فيها ، وألم يعلم دال عليها مغن .
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما متعلق ) أَرَأَيْتَ ( ؟ قلت : ) الَّذِى يَنْهَى ( مع الجملة الشرطية ، وهما في موضع المفعولين . فإن قلت : فأين جواب الشرط ؟ قلت : هو محذوف تقديره : ) إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ( ، ( أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ( ، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني . فإن قلت : فكيف صح أن يكون ) أَلَمْ يَعْلَم ( جواباً للشرط ؟ قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني ؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه ؟ فإن قلت : فما ) أَرَأَيْتَ ( الثانية وتوسطها بين مفعولي ) أَرَأَيْتَ ( ؟ قلت : هي زائدة مكررة للتوكيد ، انتهى .
وقد تكلمنا على أحكام ) أَرَأَيْتَ ( بمعنى أخبرني في غير موضع منها التي في سورة الأنعام ، وأشبعنا الكلام عليها في شرح التسهيل . وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه ، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد ، والموصول هو الآخر ، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية ، كقوله : ) أَفَرَأَيْتَ الَّذِى تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ ( ، ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِئَايَاتِنَا وَقَالَ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ( ، ( أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ تَخْلُقُونَهُ أَم ( ، وهو كثير في القرآن ، فتخرج هذه الآية على ذلك القانون ، ويجعل مفعول ) أَرَأَيْتَ ( الأولى هو الموصول ، وجاء بعده ) أَرَأَيْتَ ( ، وهي تطلب مفعولين ، وأرأيت الثانية كذلك ؛ فمفعول ) أَرَأَيْتَ ( الثانية والثالثة محذوف يعود على ) الَّذِى يَنْهَى ( فيهما ، أو على ) عَبْداً ( في الثانية ، وعلى ) الَّذِى يَنْهَى ( في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير ، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب ، فنقول : حذف المفعول الثاني لأرأيت ، وهو جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه . حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه . وحذفاً معاً لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول ، ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر . وهؤلاء الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع ، لأن الجمل لا يصح إضمارها ، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع . وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جواباً للشرط بغير فاء ، فلا أعلم أحداً أجازه ، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلباً بوجه مّا ، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر .
العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . .
( كَلاَّ ( : ردع لأبي جهل ومن في طبقته عن نهي عباد الله عن عبادة الله . ) لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ( عن ما هو فيه ، وعيد شديد ) لَنَسْفَعاً ( : أي لنأخذن ، ( بِالنَّاصِيَةِ ( : وعبر بها عن جميع الشخص ، أي سحباً إلى النار لقوله : ) فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالاْقْدَامِ ( ، واكتفى بتعريف العهد عن الإضافة ، إذ علم أنها ناصية الناهي . وقرأ الجمهور : بالنون الخفيفة ، وكتبت بالألف باعتبار الوقف ، إذ الوقف عليها بإبدالها ألفاً ، وكثر ذلك حتى صارت روياً ، فكتبت ألفاً كقوله :
ومهما تشأ منه فزارة تمنعا
وقال آخر :
بحسبه الجاهل ما لم يعلما

الصفحة 490