" صفحة رقم 495 "
واجتمعت كلمتهم إلى أن أتتهم البينة .
وقيل : معنى منفكين : هالكين ، من قولهم : انفك صلا المرأة عند الولادة ، وأن ينفصل فلا يلتئم ، والمعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، انتهى . ومنفكين اسم فاعل من انفك ، وهي التامة وليست الداخلة على المبتدأ والخبر . وقال بعض النحاة : هي الناقصة ، ويقدر منفكين : عارفين أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، أو نحو هذا ، وخبر كان وأخواتها لا يجوز حذفه لا اقتصاراً ولا اختصاراً ، نص على ذلك أصحابنا ، ولهم علة في منع ذلك ذكروها في علم النحو ، وقالوا في قوله : حين ليس مجير ، أي في الدنيا ، فحذف الخبر أنه ضرورة ، والبينة : الحجة الجليلة .
البينة : ( 2 - 3 ) رسول من الله . . . . .
وقرأ الجمهور : ) رَّسُولٍ ( بالرفع بدلاً من ) الْبَيّنَةُ ( ، وأبيّ وعبد الله : بالنصب حالاً من البينة . ) يَتْلُو صُحُفاً ( : أي قراطيس ، ( مُّطَهَّرَةٍ ( من الباطل . ) فِيهَا كُتُبٌ ( : مكتوبات ، ( قَيّمَةٌ ( : مستقيمة ناطقة بالحق .
البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . .
( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ( : أي من المشركين ، وانفصل بعضهم من بعض فقال : كل ما يدل عنده على صحة قوله . ) إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيّنَةُ ( : وكان يقتضي مجيء البينة أن يجتمعوا على اتباعها . وقال الزمخشري : كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقال أيضاً : أفرد أهل الكتاب ، يعني في قوله : ) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ( بعد جمعهم والمشركين ، قيل : لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم ، فإذا وصفوا بالتفرق عنه ، كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف . والمراد بتفرقهم : تفرقهم عن الحق ، أو تفرقهم فرقاً ، فمنهم من آمن ، ومنهم من أنكر . وقال : ليس به ومنهم من عرف وعاند . وقال ابن عطية : ذكر تعالى مذمة من لم يؤمن من أهل الكتاب من أنهم لم يتفرقوا في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة ، وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته ، فلما جاء من العرب حسدوه ، انتهى .
البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . .
وقرأ الجمهور : ) مُخْلِصِينَ ( بكسر اللام ، والدين منصوب به ؛ والحسن : بفتحها ، أي يخلصون هم أنفسهم في نياتهم . وانتصب ) الدّينِ ( ، إما على المصدر من ) لِيَعْبُدُواْ ( ، أي ليدينوا الله بالعبادة الدين ، وإما على إسقاط في ، أي في الدين ، والمعنى : وما أمروا ، أي في كتابيهما ، بما أمروا به إلا ليعبدوا . ) حُنَفَاء ( : أي مستقيمي الطريقة . وقال محمد بن الأشعب الطالقاني : القيمة هنا : الكتب التي جرى ذكرها ، كأنه لما تقدم لفظ قيمة نكرة ، كانت الألف واللام في القيمة للعهد ، كقوله تعالى : ) كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ). وقرأ عبد الله : وذلك الدين القيمة ، فالهاء في هذه القراءة للمبالغة ، أو أنث ، على أن عنى بالدين الملة ، كقوله : ما هذه الصوت ؟ يريد : ما هذه الصيحة :
البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
وذكر تعالى مقر الأشقياء وجزاء السعداء ، والبرية : جميع الخلق . وقرأ الأعرج وابن عامر ونافع : البرئة بالهمز من برأ ، بمعنى خلق . والجمهور : بشد الياء ، فاحتمل أن يكون أصله الهمز ، ثم سهل بالإبدال وأدغم ، واحتمل أن يكون من البراء ، وهو التراب . قال ابن عطية : وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ ، وهو اشتقاق غير مرضي ، ويعني اشتقاق البرية بلا همز من البرا ، وهو التراب ، فلا يجعله خطأ ، بل قراءة الهمز مشتقة من برأ ، وغير الهمز من البرا ؛ والقراءتان قد تختلفان في الاشتقاق نحو : أو ننساها أو ننسها ، فهو اشتقاق مرضي . وحكم على الكفار من الفريقين بالخلود في النار وبكونهم شر البرية ، وبدأ بأهل الكتاب لأنهم كانوا يطعنون في نبوته ، وجنايتهم أعظم لأنهم أنكروه مع العلم به ، وشر البرية ظاهره العموم . وقيل : ) شَرُّ الْبَرِيَّةِ ( : الذين عاصروا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، إذ لا يبعد أن يكون في كفار الأمم هو شر من هؤلاء ، كفرعون وعاقر ناقة صالح .
البينة : ( 7 ) إن الذين آمنوا . . . . .
وقرأ الجمهور : ) خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ( مقابل ) شَرُّ الْبَرِيَّةِ ( ؛ وحميد وعامر بن عبد الواحد : خيار البرية جمع خير ، كجيد وجياد . وبقية السورة واضحة ، وتقدم شرح ذلك إفراداً وتركيباً .