كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 498 "
فعداها باللام . وقيل : الموحى إليه محذوف ، أي أوحى إلى ملائكته المصرفين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال . واللام في لها للسبب ، أي من أجلها ومن حيث الأفعال فيها . وإذا كان الإيحاء إليها ، احتمل أن يكون وحي إلهام ، واحتمل أن يكون برسول من الملائكة .
الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . .
( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ ( : انتصب يومئذ بيصدر ، والصدر يكون عن ورد . وقال الجمهور : هو كونهم في الأرض مدفونين ، والصدر قيامهم للبعث ، و ) أَشْتَاتاً ( : جمع شت ، أي فرقاً مؤمن وكافر وعاص سائرون إلى العرض ، ( لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ). وقال النقاش : الصدر قوم إلى الجنة وقوم إلى النار ، ووردهم هو ورد المحشر . فعلى الأول المعنى : ليرى عمله ويقف عليه ، وعلى قول النقاش : ليرى جزاء عمله وهو الجنة والنار . والظاهر تعلق ) لّيُرَوْاْ ( بقوله ) يُصْدِرَ ). وقيل : بأوحى لها وما بينهما اعتراض . وقال ابن عباس : أشتاتاً : متفرقين على قدر أعمالهم ، أهل الأيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة . وقال الزمخشري : أشتاتاً : بيض الوجوه آمنين ، وسود الوجوه فزعين ، انتهى . ويحتمل أن يكون أشتاتاً ، أي كل واحد وحده ، لا ناصر له ولا عاضد ، كقوله تعالى : ) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ).
وقرأ الجمهور : ) لّيُرَوْاْ ( بضم الياء ؛ والحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة وعيسى ونافع في رواية : بفتحها ،
الزلزلة : ( 7 - 8 ) فمن يعمل مثقال . . . . .
والظاهر تخصيص العامل ، أي ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً ( من السعداء ، لأن الكافر لا يرى خيراً في الآخرة ، وتعميم ) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً ( من الفريقين ، لأنه تقسم جاء بعد قوله : ) يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ). وقال ابن عباس : قال هذه الأعمال في الآخرة ، فيرى الخير كله من كان مؤمناً ، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً لأن خيره قد عجل له في دنياه ، والمؤمن تعجل له سيآته الصغائر في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها ، وما عمل من شر أو خير رآه . ونبه بقوله : ) مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ( على أن ما فوق الذرة يراه قليلاً كان أو كثيراً ، وهذا يسمى مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، بل يكون المسكوت عنه بالأولى في ذلك الحكم ، كقوله : ) فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ). والظاهر انتصاب خيراً وشراً على التمييز ، لأن مثقال ذرة مقدار . وقيل : بدل من مثقال . وقرأ الجمهور : بفتح الياء فيهما ، أي يرى جزاءه من ثواب وعقاب . وقرأ الحسين بن علي وابن عباس وعبد الله بن مسلم وزيد بن علي والكلبي وأبو حيوة وخليد بن نشيط وأبان عن عاصم والكسائي في رواية حميد بن الربيع عنه : بضمها ؛ وهشام وأبو بكر : بسكون الهاء فيهما ؛ وأبو عمرو : بضمهما مشبعتين ؛ وباقي السبعة : بإشباع الأولى وسكون الثانية ، والإسكان في الوصل لغة حكاها الأخفش ولم يحكها سيبويه ، وحكاها الكسائي أيضاً عن بني كلاب وبني عقيل ، وهذه الرؤية رؤية بصر . وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى يصيبه ويناله . وقرأ عكرمة : يراه بالألف فيهما ، وذلك على لغة من يرى الجزم بحذف الحركة المقدرة في حروف العلة ، حكاها الأخفش ؛ أو على توهم أن من موصولة لا شرطية ، كما قيل في أنه من يتقي ويصبر في قراءة من أثبت ياء يتقي وجزم يصبر ، توهم أن من شرطية لا موصولة ، فجزم ويصبر عطفاً على التوهم ، والله تعالى أعلم .

الصفحة 498