" صفحة رقم 51 "
أقوال . وأفراد كتابها اكتفاء باسم الجنس لقوله : ) وَوُضِعَ الْكِتَابُ ( ، ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ( ، ( هَاذَا كِتَابُنَا ( ، هو الذي دعيت إليه كل أمة ، وصحت إضافته إليه تعالى لأنه مالكه والآمر بكتبه وإليهم ، لأن أعمالهم مثبتة فيه . والإضافة تكون بأدنى ملابسة ، فلذلك صحت إضافته إليهم وإليه تعالى .
( يَنطِقُ عَلَيْكُم ( : يشهد بالحق من غير زيادة ولا نقصان . ) إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ ( : أي الملائكة ، أي نجعلها تنسخ ، أي تكتب . وحقيقة النسخ نقل خط من أصل ينظم فيه ، فأعمال العباد كأنها الأصل . وقال الحسن : هو كتب الحفظة على بني آدم . وعن ابن عباس : يجعل الله الحفظة تنسخ من اللوح المحفوظ كل ما يفعل العباد ، ثم يمسكونه عندهم ، فتأتي أفعال العباد على نحو ذلك ، فبعيد أيضاً ، فذلك هو الاستنساخ . وكان يقول ابن عباس : ألستم عرباً ؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟
الجاثية : ( 30 - 31 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
ثم بين حال المؤمن بأنه يدخله في رحمته ، وهو الثواب الذي أعد له ، وأن ذلك هو الظفر بالبغية ؛ وبين الكافر بأنه يوبخ ويقال له : ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءايَاتِى ( عن اتباعها والإيمان بها وكنتم أصحاب جرائم ؟ والفاء في : أفلم ينوي بها التقديم ؛ وإنما قدمت الهمزة لأن الاستفهام له صدراً الكلام ، والتقدير : فيقال له ألم . وقال الزمخشري : والمعنى ألم يأتكم رسلي ؟ فلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فحذف المعطوف عليه . انتهى . وقد تقدم الكلام معه في زعمه أن بين الفاء والواو ، إذا تقدمها همزة الاستفهام معطوفاً عليه محذوفاً ، ورددنا عليه ذلك .
الجاثية : ( 32 ) وإذا قيل إن . . . . .
وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد : ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ ( ، بفتح الهمزة ، وذلك على لغة سليم ؛ والجمهور : إن بكسرها . وقرأ الجمهور : ) وَالسَّاعَةُ ( بالرفع على الابتداء ، ومن زعم أن لاسم إن موضعاً جوز العطف عليه هنا ، أو زعم أن لأن واسمها موضعاً جوز العطف عليه ، وبالعطف على الموضع لأن واسمها هنا . قال أبو علي : ذكره في الحجة ، وتبعه الزمخشري فقال : وبالرفع عطفاً على محل إن واسمها ، والصحيح المنع ؛ وحمزة : بالنصب عطفاً على الله ، وهي مروية عن الأعمش ، وأبي عمرو ، وعيسى ، وأبي حيوة ، والعبسي ، والمفضل . ) إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً ( ، تقول : ضربت ضرباً ، فإن نفيت ، لم تدخل إلا ، إذ لا يفرغ بالمصدر المؤكد ، فلا تقول : ما ضربت إلا ضرباً ، ولا ما قمت إلا قياماً . فأما الآية ، فتأول على حذف وصف المصدر حتى يصير مختصاً لا مؤكداً ، وتقديره : إلا ظناً ضعيفاً ، أو على تضمين نظن معنى نعتقد ، ويكون ظناً مفعولاً به . وقد تأول ذلك بعضهم على وضع إلا في غير موضعها ، وقال : التقدير إن نحن إلا نظن ظناً . وحكى هذا عن المبرد ، ونظيره ما حكاه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه من قول العرب :
ليس الطيب إلا المسك
قال المبرد : ليس إلا الطيب المسك . انتهى . واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعاً بعد إلا وأنت إذا قلت : ما كان زيد إلا فاضلاً نصبت ، فلما وقع بعد إلا ما يظهر أنه خبر ليس ، احتاج أن يزحزح إلا عن موضعها ، ويجعل في ليس ضمير الشأن ، ويرفع إلا الطيب المسك على الابتداء والخبر ، فيصير كالملفوظ به ، في نحو : ما كان إلا زيد قائم . ولم يعرف المبرد أن ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما ، فلم يعملوها إلا باقية مكانها ، وليس غير عامله . وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك ، ولا تميمي إلا وهو يرفع . في ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء ، ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو . ونظير ) إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً ( قول الأعشى :
وجدّ به الشيب أثقاله
وما اغتره الشيب إلا اغتراراً
أي اغتراراً بيناً . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى ) إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً ( ؟ قلت ؛ أصله نظن ظناً ، ومعناه إثبات الظن مع نفي ما سواه ، وزيد نفى ما سوى الظن توكيداً بقوله : ) وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ). انتهى . وهذا الكلام ممن لا