كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)
" صفحة رقم 521 "
قال : ( أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ) انتهى . قال ذلك عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه السورة وقرأها .
وقال ابن عباس : الكوثر : الخير الكثير . وقيل لابن جبير : إن ناساً يقولون : هو نهر في الجنة ، فقال : هو من الخير الكثير . وقال الحسن : الكوثر : القرآن . وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن وثاب : كثرة الأصحاب والأتباع . وقال هلال بن يساف : هو التوحيد . وقال جعفر الصادق : نور قلبه دله على الله تعالى وقطعه عما سواه . وقال عكرمة : النبوّة . وقال الحسن بن الفضل : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع . وقال ابن كيسان : الإيثار . وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل ، لا أن الكوثر منحصر في واحد منها . والكوثر فوعل من الكثرة ، وهو المفرط الكثرة . قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر . وقال الشاعر : وأنت كثير يا ابن مروان طيب
وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر
) فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ ( : الظاهر أن فصل أمر بالصلاة يدخل فيها المكتوبات والنوافل . والنحر : نحر الهدى والنسك والضحايا ، قاله الجمهور ؛ ولم يكن في ذلك الوقت جهاد فأمر بهذين . قال أنس : كان ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة ، فأمر أن يصلي وينحر ، وقاله قتادة . وقال ابن جبير : نزلت وقت صلح الحديبية . قيل له : صل وانحر الهدى ، فعلى هذا الآية من المدني . وفي قوله : ) لِرَبّكِ ( ، تنذير بالكفار حيث كانت صلاتهم مكاء وتصدية ، ونحرهم للأصنام . وعن علي ، رضي الله تعالى عنه : صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة . وقيل : ارفع يديك في استفتاح صلاتك عند نحرك . وعن عطية وعكرمة : هي صلاة الفجر بجمع ، والنحر بمنى . وقال الضحاك : استو بين السجدتين جالساً حتى يبد ونحرك . وقال أبو الأحوص : استقبل القبلة بنحرك .
الكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . .
( إِنَّ شَانِئَكَ ( : أي مبغضك ، تقدم أنه العاصي بن وائل . وقيل : أبو جهل . وقال ابن عباس : لما مات إبراهيم ابن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد ، فأنزل الله تعالى : ) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ ). وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط . وقال قتادة : الأبتر هنا يراد به الحقير الذليل . وقرأ الجمهور : ) شَانِئَكَ ( بالألف ؛ وابن عباس : شينك بغير ألف . فقيل : مقصور من شاني ، كما قالوا : برر وبر في بارر وبار . ويجوز أن يكون بناء على فعل ، وهو مضاف للمفعول إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال ؛ وإن كان بمعنى الماضي فتكون إضافته لا من نصب على مذهب البصريين . وقد قالوا : حذر أموراً ومزقون عرضي ، فلا يستوحش من كونه مضافاً للمفعول ، وهو مبتدأ ، والأحسن الأعرف في المعنى أن يكون فصلاً ، أي هو المنفرد بالبتر المخصوص به ، لا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . فجميع المؤمنين أولاده ، وذكره مرفوع على المنائر والمنابر ، ومسرود على لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر . يبدأ بذكر الله تعالى ويثني بذكره ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وله في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف ( صلى الله عليه وسلم ) ) وعلى آله وشرف وكرم .
الصفحة 521
540