كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 524 "
110
( سورة النصر )
مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
2 ( ) إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوابَا ( ) ) 2
) إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَا ).
النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . .
هذه مدنية ، نزلت منصرفه ( صلى الله عليه وسلم ) ) من غزوة خيبر ، وعاش بعد نزولها سنتين . وقال ابن عمر : نزلت في أوسط أيام التشريق بمنى في حجة الوداع ، وعاش بعدها ثمانين يوماً أو نحوها ( صلى الله عليه وسلم ) ) . ولما كان في قوله : ) لَكُمْ دِينَكُمْ ( موادعة ، جاء في هذه بما يدل على تخويفهم وتهديدهم ، وأنه آن مجيء نصر الله ، وفتح مكة ، واضمحلال ملة الأصنام ، وإظهار دين الله تعالى .
قال الزمخشري : ) إِذَا ( منصوب بسبح ، وهو لما يستقبل ، والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة ، انتهى . وكذا قال الحوفي ، ولا يصح إعمال ) فسيح ( في ) قَبْلِكُمْ إِذَا ( لأجل الفاء ، لأن الفاء في جواب الشرط لا يتسلط الفعل الذي بعدها على اسم الشرط ، فلا تعمل فيه ، بل العامل في إذا الفعل الذي بعدها على الصحيح المنصور في علم العربية ، وقد استدللنا على ذلك في شرح التسهيل وغيره ، وإن كان المشهور غيره . والنصر : الإعانة والإظهار على العدو ، والفتح : فتح البلاد . ومتعلق النصر والفتح محذوف ، فالظاهر أنه نصر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) والمؤمنين على أعدائهم ، وفتح مكة وغيرها عليهم ، كالطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن . وقيل : نصره ( صلى الله عليه وسلم ) ) على قريش وفتح مكة ، وكان فتحها لعشر مضين من رمضان ، سنة ثمان ، ومعه عليه الصلاة والسلام عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار .
النصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . .
وقرأ الجمهور : ) يَدْخُلُونَ ( مبنياً للفاعل ؛ وابن كثير في رواية : مبنياً للمفعول . ) فِى دِينِ اللَّهِ ( : في ملة الإسلام الذي لا دين له يضاف غيرها . ) أَفْوَاجاً ( أي جماعات كثيرة ، كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحداً بعد واحد ، واثنين اثنين .
قال الحسن : لما فتح عليه الصلاة والسلام مكة ، أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا : أما الظفر بأهل الحرم فليس به يدان ، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل . وقال أبو عمر بن عبد البر : لم يمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين . منهم من قدم ، ومنهم من قدّم وافده . قال ابن عطية : والمراد ، والله أعلم ، العرب عبدة الأوثان . وأما نصارى بني ثعلب فما أراهم أسلموا قط في حياة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، لكن أعطوا الجزية . وقال مقاتل وعكرمة : المراد بالناس أهل اليمن ، وفد منهم سبعمائة رجل . وقال الجمهور : وفود العرب ، وكان دخولهم بين فتح مكة وموته ( صلى الله عليه وسلم ) ) . و ) أَفْوَاجاً ( : جمع فوج . قال الحوفي : وقياس جمعه أفوج ، ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدّل إلى أفواج ، كأنه يعني أنه كان ينبغي أن يكون معتل العين كالصحيح . فكما أن قياس فعل صحيحها أن يجمع على أفعل لا على أفعال ، فكذلك هذا ؛ والأمر في هذا المعتل بالعكس .

الصفحة 524