كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 526 "
111
( سورة المسد )
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
2 ( ) تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ( ) ) 2
المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . .
الحطب معروف ، ويقال : فلان يحطب على فلان إذا وشى عليه . الجيد : العنق . المسد : الحبل من ليف ، وقال أبو الفتح : ليف المقل ، وقال ابن زيد : هو شجر باليمن يسمى المسد ، انتهى . وقد يكون من جلود الإبل ومن أوبارها . قال الراجز :
ومسد أمر من أيانق
ورجل ممسود الخلق : أي مجدوله شديده .
( تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ).
هذه السورة مكية . ولما ذكر فيما قبلها دخول الناس في دين الله تعالى ، أتبع بذكر من لم يدخل في الدين ، وخسر ولم يدخل فيما دخل فيه أهل مكة من الإيمان . وتقدم الكلام على التباب في سورة غافر ، وهنا قال ابن عباس : خابت ، وقتادة : خسرت ، وابن جبير : هلكت ، وعطاء : ضلت ، ويمان بن رياب : صفرت من كل خير ، وهذه الأقوال متقاربة في المعنى . وقالوا فيما حكى إشابة : أم تابة : أي هالكة من الهرم والتعجيز . وإسناد الهلاك إلى اليدين ، لأن العمل أكثر ما يكون بهما ، وهو في الحقيقة للنفس ، كقوله : ) ذالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ). وقيل : أخذ بيديه حجراً ليرمي به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، فأسند التب إليهما . والظاهر أن التب دعاء ، وتب : إخبار بحصول ذلك ، كما قال الشاعر : جزاني جزاه الله شرّ جزائه
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
ويدل عليه قراءة عبد الله : وقد تب . روي أنه لما نزل : ) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ ( ، قال : ( يا صفية بنت عبد المطلب ، يا فاطمة بنت محمد ، لا أغني لكما من الله شيئاً ، سلاني من مالي ما شتئما ) . ثم صعد الصفا ، فنادى بطون قريش : ( يا بني فلان يا بني فلان ) . وروي أنه صاح بأعلى صوته : ( يا صباحاه ) . فاجتمعوا إليه من كل وجه ، فقال لهم : ( أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي ؟ ) قالوا : نعم ، قال : ( فإني نذير لكم بين يدي

الصفحة 526