كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 527 "
عذاب شديد ) . فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فافترقوا عنه ، ونزلت هذه السورة . وأبو لهب اسمه عبد العزى ، ابن عم المطلب عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقرأ ابن محيصن وابن كثير : أبي لهب بسكون الهاء ، وفتحها باقي السبعة ولم يختلفوا في ذات لهب ، لأنها فاصلة ، والسكون يزيلها على حسن الفاصلة . قال الزمخشري : وهو من تغيير الأعلام ، كقولهم : شمس مالك بالضم . انتهى ، يعني : سكون الهاء في لهب وضم الشين في شمس ، ويعني في قول الشاعر : وإني لمهد من ثنائي فقاصد
به لابن عمي الصدق شمس بن مالك
فأما في لهب ، فالمشهور في كنيته فتح الهاء ، وأما شمس بن مالك ، فلا يتعين أن يكون من تغيير الأعلام ، بل يمكن أن يكون مسمى بشمس المنقول من شمس الجمع ، كما جاء أذناب خيل شمس . قيل : وكنى بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه ، ولم يذكره تعالى باسمه لأن اسمه عبد العزى ، فعدل عنه إلى الكنية ، أو لأن الكنية كانت أغلب عليه من الاسم ؛ أو لأن مآله إلى النار ، فوافقت حالته كنيته ، كما يقال للشرير : أبو الشر ، وللخير أبو الخير ؛ أو لأن الاسم أشرف من الكنية ، فعدل إلى الأنقص ؛ ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحداً منهم .
المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . .
والظاهر أن ما في ) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ ( نفي ، أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه ، وما كسب هو بنفسه أو ماشيته ، وما كسب من نسلها ومنافعها ، أو ما كسب من أرباح ماله الذي يتجر به . ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب ، أي : أيّ شيء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإنكار ؟ والمعنى : أين الغني الذي لماله ولكسبه ؟ والظاهر أن ما في قوله : ) وَمَا كَسَبَ ( موصولة ، وأجيز أن تكون مصدرية . وإذا كانت ما في ) مَا أَغْنَى ( استفهاماً ، فيجوز أن تكون ما في ) وَمَا كَسَبَ ( استفهاماً أيضاً ، أي : وأي شيء كسب ؟ أي لم يكسب شيئاً . وعن ابن عباس : ) وَمَا كَسَبَ ( ولده .
وفي الحديث : ( ولد الرجل من كسبه ) . وعن الضحاك : ) وَمَا كَسَبَ ( هو عمله الخبيث في عداوة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وعن قتادة : وعمله الذي ظن أنه منه على شيء . وروي عنه أنه كان يقول : إن كان ما يقول ابن أخي حقاً ، فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي . وقرأ عبد الله : وما اكتسب بتاء الافتعال .
المسد : ( 3 - 4 ) سيصلى نارا ذات . . . . .
وقرأ أبو حيوة وابن مقسم وعباس في اختياره ، وهو أيضاً سيصلى بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام ، ومريئته ؛ وعنه أيضاً : ومريته على التصغير فيهما بالهمز وبإبدالها ياء وإدغام ياء التصغير فيها . وقرأ أيضاً : حمالة للحطب ، بالتنوين في حمالة ، وبلام الجر في الحطب . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : سيصلى بضم الياء وسكون الصاد ؛ وأبو قلابة : حاملة الحطب على وزن فاعلة مضافاً ، واختلس حركة الهاء في وامرأته أبو عمرو في رواية ؛ والحسن وزيد بن علي والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن محيصن وعاصم : حمالة بالنصب .
وقرأ الجمهور : ) سَيَصْلَى ( بفتح الياء وسكون الصاد ، ( وَامْرَأَتُهُ ( على التكبير ، ( حَمَّالَةَ ( على وزن فعالة للمبالغة مضافاً إلى الحطب مرفوعاً ، والسين للاستقبال وإن تراخى الزمان ، وهو وعيد كائن إنجازه لا محالة . وارتفع ) وَامْرَأَتُهُ ( عطفاً على الضمير المستكن في ) سَيَصْلَى ( ، وحسنه وجود الفصل بالمفعول وصفته ، ( وحمالة ( في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة لامرأته ، لأنه مثال ماض فيعرف بالإضافة ، وفعال أحد الأمثلة الستة وحكمها كاسم الفاعل . وفي قراءة النصب ، انتصب على الذم . وأجازوا في قراءة الرفع أن يكون ) لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ ( مبتدأ ، وحمالة ، واسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان ، وكانت عوراء . والظاهر أنها كانت تحمل الحطب ، أي ما فيه شوك ، لتؤذي بإلقائه في طريق الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأصحابه لتعقرهم ، فذمت بذلك وسميت حمالة الحطب ، قاله ابن عباس . فحمالة معرفة ، فإن كان صار لقباً لها جاز فيه حالة الرفع أن يكون عطف بيان ، وأن يكون بدلاً . قيل : وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل في طريق

الصفحة 527