كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)
" صفحة رقم 528 "
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة والسدي : كانت تمشي بالنميمة ، ويقال للمشاء بها : يحمل الحطب بين الناس ، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشر . قال الشاعر : من البيض لم يصطد على ظهر لامه
ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر . وقال الراجز :
إن بني الأرزم حمالو الحطب
هم الوشاة في الرضا وفي الغضب
وقال ابن جبير : حمالة الخطايا والذنوب ، من قولهم : يحطب على ظهره . قال تعالى : ) وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ ). وقيل : الحطب جمع حاطب ، كحارس وحرس ، أي يحمل الجناة على الجنايات ،
المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . .
والظاهر أن الحبل من مسد . وقال عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان : استعارة ، والمراد سلسلة من حديد في جهنم . وقال قتادة : قلادة من ودع . وقال ابن المسيب : قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقنها على عداوة محمد . قال ابن عطية : وإنما عبر عن قلادتها بحبل من مسد على جهة التفاؤل لها ، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث ، انتهى . وقال الحسن : إنما كانت خرزاً . وقال الزمخشري : والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال ، وأنها تحمل الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها ، كما يفعل الحطابون تحسيساً لحالها وتحقيراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة . ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة الحطب ، فقال :
ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي
أم ما تعير من حمالة الحطب
غرساء شاذخة في المجد سامية
كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب
ويحتمل أن يكون المعنى : إن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك ، فلا يزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو الضريع ، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار ، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه ، انتهى .
ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر ، وهو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) في المسجد وبيدها فهر ، فقالت : بلغني أن صاحبك هجاني ، ولأفعلنّ وأفعلن ؛ وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . فروي أن أبا بكر ، رضي الله تعالى عنه ، قال لها : هل تري معي أحداً ؟ فقالت : أتهزأ بي ؟ لا أرى غيرك . وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول :
مذمماً أبينا
ودينه قلينا
وأمره عصينا فسكت أبو بكر ومضت هي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( لقد حجبتني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها ) . وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها ، وأبو لهب رماه الله تعالى بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال .
الصفحة 528
540