كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 533 "
وقال الشاعر يصف الثور الوحشي : حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق
هاديه في أخريات الليل منتصب
وقيل : الفلق : كلما يفلقه الله تعالى ، كالأرض والنبات والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر ، والأرحام عن الأولاد ، والحب والنوى وغير ذلك . وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين : الفلق : جب في جهنم ، ورواه أبو هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وقالوا : لما اطمأن من الأرض الفلق ، وجمعه فلقان . وقيل : واد في جهنم . وقال بعض الصحابة : بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره .
الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . .
وقرأ الجمهور : ) مِن شَرّ مَا خَلَقَ ( ، بإضافة شر إلى ما ، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد ، كالإحراق بالنار ، والإغراق بالبحر ، والقتل بالسم . وقرأ عمرو بن فايد : من شر بالتنوين . وقال ابن عطية : وقرأ عمرو بن عبيد ، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر : من شر بالتنوين ، ما خلق على النفي ، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل ، الله خالق كل شيء ، ولهذه القراءة وجه غير النفي ، فلا ينبغي أن ترد ، وهو أن يكون ) مَا خَلَقَ ( بدلاً من ) شَرُّ ( على تقدير محذوف ، أي من شرّ شر ما خلق ، فحذف لدلالة شر الأول عليه ، أطلق أولاً ثم عمّ ثانياً .
الفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . .
والغاسق : الليل ، ووقب : أظلم ودخل على الناس ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد ، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال : والغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه . من قوله تعالى : ) أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ ( ، ومنه : غسقت العين : امتلأت دمعاً ، وغسقت الجراحة : امتلأت دماً ، ووقوبه : دخول ظلامه في كل شيء ، انتهى . وقال الزجاج : هو الليل لأنه أبرد من النهار ، والغاسق : البارد ، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك . قال الشاعر : يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا
إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا
وقال محمد بن كعب : النهار دخل في الليل . وقال ابن شهاب : المراد بالغاسق : الشمس إذا غربت . وقال القتبي وغيره : هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف . وفي الحديث : ( نظر ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلى القمر فقال : يا عائشة ، نعوذ بالله من هذا ، فإنه الفاسق إذا وقب ) . وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( الغاسق النجم ) . وقال ابن زيد عن العرب : الغاسق : الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك . وقيل : الحية إذا لدغت ، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه .
الفلق : ( 4 - 5 ) ومن شر النفاثات . . . . .
والنفاثات : النساء ، أو النفوس ، أو الجماعات السواحر ، يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين . وقرأ الجمهور : ) النَّفَّاثَاتِ ( ؛ والحسن : بضم النون ، وابن عمر والحسن أيضاً وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات ؛ والحسن أيضاً وأبو الربيع : النفثات بغير ألف ، نحو الخدرات . والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك .
وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله : ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله : ) إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ( ، تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد ، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم ، وعرضهنّ محاسنهن ، كأنهن يسحرنهم بذلك ، انتهى .
وقال ابن عطية : وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذي بذلك ، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحرا المغرب . وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان ، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك ، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع ، انتهى .
وقيل : الغاسق والحاسد بالطرف ، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوباً إليه ، وكذا كل ما فسر به

الصفحة 533