كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)
" صفحة رقم 535 "
114
( سورة الناس )
مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
2 ( ) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَاهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( ) ) 2
) قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَاهِ النَّاسِ مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ).
الناس : ( 1 - 3 ) قل أعوذ برب . . . . .
تقدّم أنها نزلت مع ما قبلها . والخلاف أهي مدنية أم مكية ؟ وأضيف الرب إلى الناس ، لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم ، استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم ، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر . والظاهر أن ) مَلِكِ النَّاسِ إِلَاهِ النَّاسِ ( صفتان . وقال الزمخشري : هما عطفا بيان ، كقولك : سيرة أبي حفص عمر الفاروق بين بملك الناس ، ثم زيد بياناً بإله الناس لأنه قد يقال لغيره : رب الناس ، كقوله : ) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللَّهِ ). وقد يقال : ملك الناس ، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان ، انتهى . وعطف البيان المشهور أنه يكون بالجوامد ، وظاهر قوله أنهما عطفا بيان لواحد ، ولا أنقل عن النحاة شيئاً في عطف البيان ، هل يجوز أن يتكرر لمعطوف عليه واحد أم لا يجوز ؟ .
وقال الزمخشري : فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة ؟ قلت : لأن عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار ، انتهى .
الناس : ( 4 - 6 ) من شر الوسواس . . . . .
والوسواس ، قالوا : اسم من أسماء الشيطان ؟ والوسواس أيضاً : ما يوسوس به شهوات النفس ، وهو الهوى المنهى عنه . والخناس : الراجع على عقبه ، المستتر أحياناً ، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر . وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء ، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس ، ويكون معنى ) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( : من الشياطين ونفوس الناس ، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان ، والمغري : المزين من قرناء السوء ، فيكون ) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( ، تبييناً لذلك الوسواس . قال تعالى : ) عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ). وقال قتادة : إن من الإنس شياطين ، ومن الجن شياطين ، فنعوذ بالله منهم . وقال أبو ذر لرجل : هل تعوذت من شياطين الإنس ؟
وقال الزمخشري : ) الْوَسْوَاسِ ( اسم بمعنى الوسوسة ، كالزلزال بمعنى الزلزلة ؛ وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال ، والمراد به الشيطان ، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه ، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه ؛ أو أريد ذو الوسواس . وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في ) إِذَا زُلْزِلَتِ ( ، ويجوز في الذي الجر على الصفة ، والرفع والنصب على الشتم ، ومن في ) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( للتبعيض ، أي كائناً من الجنة والناس ، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من متعلقاً بيوسوس ، ومعناه ابتداء الغاية ، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس ، انتهى .
ولما كانت مضرة الدين ، وهي آفة الوسوسة ، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت ، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث : الرب والملك والإله ، وإن اتحد المطلوب ، وفي
الصفحة 535
540