" صفحة رقم 77 "
خبر المبتدأ وتقديره : فتعسهم الله تعساً . فتعساً : منصوب بفعل مضمر ، ولذلك عطف عليه الفعل في قوله : ) وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ). ويجوز أن يكون الذين منصوباً على إضمار فعل يفسره قوله : ) فَتَعْساً لَّهُمْ ( ، كما تقول : زيداً جدعاً له . وقال الزمخشري : فإن قلت : على م عطف قوله : وأضل أعمالهم ؟ قلت : على الفعل الذي نصب تعساً ، لأن المعنى : فقال تعساً لهم ، أو فقضى تعساً لهم ؛ وتعساً لهم نقيض لعى له . انتهى . وإضمار ما هو من لفظ المصدر أولى ، لأن فيه دلالة على ما حذف . وقال ابن عباس : يريد في الدنيا القتل ، وفي الآخرة التردي في النار . انتهى . وفي قوله : ) فَتَعْساً لَّهُمْ ( : أي هلاكاً بأداة تقوية لقلوب المؤمنين ، إذ جعل لهم التثبيت ، وللكفار الهلاك والعثرة .
محمد : ( 9 - 10 ) ذلك بأنهم كرهوا . . . . .
( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ( : يشمل ما أنزل من القرآن في بيان التوحيد ، وذكر البعث والفرائض والحدود ، وغير ذلك مما تضمنه القرآن . ) فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( : أي جعلها من الأعمال التي لا تزكوا ولا يعتد بها . ) دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ( : أي أفسد عليهم ما اختصوا به من أنفسهم وأولادهم وأموالهم ، وكل ما كان لهم وللكافرين أمثالها . تلك العاقبة والتدميرة التي يدل عليها دمّر والهلكة ، لأن التدمير يدل عليها ، أو السنة ، لقوله عز وجل : ) سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ ). والوجه الأول هو الراجح ، لأن العاقبة منطوق بها ، فعاد الضمير على الملفوظ به ، وما بعده مقول القول . ) ذَلِكَ بِأَنَّ ( : ابتداء وخبر ، والإشارة بذلك إلى النصر في اختيار جماعة ، وإلى الهلاك ، كما قال : ) وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ،
محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . .
قال ذلك الهلاك الذي جعل للكفار بأيدي المؤمنين بسبب ) إِنَّ اللَّهَ مَوْلَاهُمُ ( : أي ناصرهم ومؤيدهم ، وأن الكافرين لا ناصر لهم ، إذ اتخذوا آلهة لا تنفع ولا تضر ، وتركوا عبادة من ينفع ويضر ، وهو الله تعالى .
قال قتادة : نزلت هذه الآية يوم أُحُد ، ومنها انتزع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) رده على أبي سفيان حين قال : ( قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ) ، حين قال المشركون : إن لنا عزى ، ولا عزى لكم .
( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الاْنْعَامُ ).
محمد : ( 12 ) إن الله يدخل . . . . .
( يَتَمَتَّعُونَ ( : أي ينتفعون بمتاع الدنيا أياماً قلائل ، ( وَيَأْكُلُونَ ( ، غافلين غير مفكرين في العاقبة ، ( كَمَا تَأْكُلُ الاْنْعَامُ ( في مسارحها ومعالفها ، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح . والكاف في موضع نصب ، إما على الحال من ضمير المصدر ، كما يقول سيبويه ، أي يأكلونه ، أي الأكل مشبهاً أكل الأنعام . والمعنى : أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر ، كما يقال للجاهل : يعيش كما يعيش البهيمة ، لا يريد التشبيه في مطلق العيش ، ولكن في لازمه . ) وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ( : أي موضع إقامة .
محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . .
ثم ضرب تعالى مثلاً لمكة والقرى المهلكة على عظمها ، كقرية عاد وغيرهم ، والمراد أهلها ، وأسند الإخراج إليها مجازاً . والمعنى : كانوا سبب خروجك ، وذلك وقت هجرته عليه السلام إلى المدينة . وكما جاء في حديث ورقة بن نوفل : يا ليتني فيها جذعاً إذ يخرجك قومك ، قال : أو مخرجي هم . وقال ابن عطية : ونسب الإخراج إلى القرية حملاً على اللفظ