" صفحة رقم 78 "
وقال : ) أَهْلَكْنَاهُمْ ( ، حملاً على المعنى . انتهى . وظاهر هذا الكلام لا يصح ، لأن الضمير في أهلكناهم ليس عائداً على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج ، بل إلى أهل القرية في قوله : ) وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ ( ، وهو صحيح ، لكن ظاهر قوله حملاً على اللفظ وحملاً على المعنى : أي أن يكون في مدلول واحد ، وكان يبقى كأين مفلتاً غير محدث عنه بشيء ، إلا أن وقت إهلاكهم كأنه قال : فهم لا ينصرون إذ ذاك . وقال ابن عباس : لما أخرج من مكة إلى الغار ، التفت إلى مكة وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحب بلاد الله إليّ ، فلو أن المشركين لم يخرجوني ، لم أخرج منك ، فأعدي الأعداء من عدا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله . وقيل : بدخول الجاهلية قال : فأنزل الله تعالى ، ( وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ ( الآية ؛ وقد تقدّم أول السورة عن ابن عباس خلاف هذا القول .
محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . .
( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ ( : استفهام توقيف وتقرير على كل شيء متفق عليه ، وهي معادلة بين هذين الفريقين . قال قتادة : والإشارة إلى الرسول وإلى كفار قريش . انتهى . واللفظ عام لأهل الصنفين . ومعنى على بينة : واضحة ، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات . ) كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ ( : وهو الشرك والكفر بالله وعبادة غيره . ) وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ ( : أي شهوات أنفسهم ممن لا يكون له بينة ، فعبدوا غير خالقهم . والضمير في واتبعوا عائد على معنى من ، وقرىء أمن كان بغير فاء .
محمد : ( 15 ) مثل الجنة التي . . . . .
( مَّثَلُ الْجَنَّةِ ( : أي صفة الجنة ، وهو مرفوع بالابتداء . قال الزمخشري : قال النضر بن شميل : كأنه قال : صفة الجنة ، وهو ما تسمعون . انتهى . فما تسمعون الخبر ، وفيها أنها تفسير لتلك الصفة ، فهو استئناف إخبار عن تلك الصفة . وقال سيبويه : فيما يتلى عليكم مثل الجنة ، وقدر الخبر المحذوف متقدماً ، ثم فسر ذلك الذي يتلى . وقال ابن عطية : وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر ، كأنه قيل : مثل الجنة ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف . وكان ابن عطية قد قال قبل هذا : ويظهر أن القصد بالتمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه . فههنا كذا ، فكأنه يتصور عند ذلك اتباعاً على هذه الصورة ، وذلك هو مثل الجنة . قال : وعلى هذه التأويلات ، يعني قول النضر وقول سيبويه ، وما قاله هو يكون قبل قوله : ) كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ ( حذف تقديره : أساكن ؟ أو أهؤلاء ؟ إشارة إلى المتقين . قيل : ويحتمل عندي أن يكون الحذف في صدر هذه الآية ، كأنه قال : مثل أهل الجنة ، وهي بهذه الأوصاف ، ( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ ). ويجيء قوله : ) فِيهَا أَنْهَارٌ ( في موضع الحال على هذا التأويل . انتهى . ولم يذكر الزمخشري غير هذا الوجه . قال : ومثل الجنة : صفة الجنة العجيبة الشأن ، وهو مبتدأ ، وخبر من هو خالد في النار . وقوله : ) فِيهَا أَنْهَارٌ ( ، في حكم الصلة ، كالتكرير لها . ألا ترى إلى سر قوله : التي فيها أنهار ؟ ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف هي : فيها أنهار ، كأن قائلاً قال : وما مثلها ؟ فقيل : فيها أنهار .
وقال الزمخشري أيضاً : فإن قلت : ما معنى قوله : ) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ ( ؟ قال : ) كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ ). قلت : هو كلام في صورة الإثبات ، ومعناه النفي والإنكار ، لانطوائهم تحت كلام مصدر بحرف الإنكار ، ودخوله في حيزه ، وانخراطه في مسلكه ، وهو قوله : ) أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ ( ، فكأنه قيل : مثل الجنة كمن هو خالد في النار ، أي كمثل جزاء من هو خالد في النار . فإن قلت : لم على من حرف الإنكار ؟ وما فائدة التعرية ؟ قلت : تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من سوى بين المستمسك بالبينة والتابع لهواه ، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار ، وبين النار التي يسقى أهلها الحميم ، ونظيره قول القائل : أفرح أن أرزأ الكرام وأن
أورث ذوداً شصائصاً نبلا
هو كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود ، مع تعريته من حرف الإنكار ، لانطوائه تحت حكم من قال : أتفرح