كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 79 "
بموت أخيك ، وبوراثة إبله ؟ والذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصور قبح ما أزن به ، فكأنه قال : نعم مثلي يفرح بمرزأة الكرام ، وبأن يستبدل منهم ذوداً يقل طائله ، وهو من التسليم الذي تحته كل إنكار . انتهى . وتلخص من هذا الاتفاق على إعراب : ) مَّثَلُ الْجَنَّةِ ( مبتدأ ، واختلفوا في الخبر ، فقيل : هو مذكور ، وهو : ) كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ ). وقيل : محذوف ، فقيل : مقدر قبله ، وهو قول سيبويه . وقيل : بعده ، وهو قول النضر وابن عطية على اختلاف التقدير . ولما بين الفرق بين الفريقين في الاهتداء والضلال ، بين الفرق بينهما فيما يؤولان إليه . وكما قدم من على بينة ، على من اتبع هواه ، قدّم حاله على حاله .
وقرأ ابن كثير وأهل مكة : آسن ، على وزن فاعل ، من أسن ، بفتح السين ؛ وقرىء : غير ياسن بالياء . قال أبو علي : وذلك على تخفيف الهمز . ) لَّمْ يَتَغَيَّرْ ( ، وغيره . و ) لَذَّةٍ ( : تأنيث لذ ، وهو اللذيذ ، ومصدر نعت به ، فالجمهور بالجر على أنه صفة لخمر ، وقرىء بالرفع صفة لأنهار ، وبالنصب : أي لأجل لذة ، فهو مفعول له . ) مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ( قال ابن عباس : لم يخرج من بطون النحل . قيل : فيخالطه الشمع وغيره ، ووصفه بمصفى لأن الغالب على العسل التذكير ، وهو مما يذكر ويؤنث . وعن كعب : أن النيل ودجلة والفرات وجيحان ، تكون هذه الأنهار في الجنة . واختلف في تعيين كل ، فهو منها لماذا يكون ينزل ، وبدىء من هذه الأنهار بالماء ، وهو الذي لا يستغنى عنه في المشروبات ، ثم باللبن ، إذ كان يجري مجرى الطعوم في كثير من أقوات العرب وغيرهم ، ثم بالخمر ، لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوقت النفس إلى ما تلتذ به ، ثم بالعسل ، لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم ، فهو متأخر في الهيئة .
( وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَراتِ ( ، وقيل : المبتدأ محذوف ، أي أنواع من كل الثمرات ، وقدره بعضهم بقوله : زوجان . ) وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ ( : لأن المغفرة قبل دخول الجنة ، أو على حذف ، أي بنعيم مغفرة ، إذ المغفرة سبب التنعيم . ) وَسُقُواْ ( : عائد على معنى من ، وهو خالد على اللفظ ؛
محمد : ( 16 - 17 ) ومنهم من يستمع . . . . .
وكذا : ) أَخْرِجُواْ ( : على معنى من يستمع . كان المنافقون يحضرون عند الرسول ويستمعون كلامه وتلاوته ، فإذا خرجوا ، ( قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ( ، وهم السامعون كلام الرسول حقيقة الواعون له : ) مَاذَا قَالَ ءانِفاً ( ؟ أي الساعة ، وذلك على سبيل الهزء والاستخفاف ، أي لم نفهم ما يقول ، ولم ندر ما نفع ذلك . وممن سألوه : ابن مسعود . وآنفاً : حال ؛ أي مبتدأ ، أي : ما القول الذي ائتنفه قبل انفصاله عنه ؟ وقرأ الجمهور : آنفاً ، على وزن فاعل ؛ وابن كثير : على وزن فعل . وقال الزمخشري : وآنفاً نصب على الظرف . انتهى . وقال ذلك لأنه فسره بالساعة . وقال ابن عطية ، والمفسرون يقولون : آنفاً ، معناه : الساعة الماضية القريبة منا ، وهذا تفسير بالمعنى . انتهى . والصحيح أنه ليس بظرف ، ولا نعلم أحداً من النحاة عده في الظروف . والضمير في ) زَادَهُمْ ( عائد على الله ، كما أظهره قوله : ) طَبَعَ اللَّهُ ( ، إذ هو مقابلهم ، وكما هو في : ) وَأَتَاهُمُ ( ؛ والزيادة في هذا المعنى تكون بزيادة التفهيم والأدلة ، أو بورود الشرع بالأمر والنهي والإخبار ، فيزيد المهدي لزيادة علم ذلك والإيمان به . قيل : ويحتمل أن يعود على قول المنافقين واضطرابهم ، لأن ذلك مما يعجب به المؤمن ويحمد الله على إيمانه ويزيد نصرة في دينه . وقيل : يعود على قول الرسول ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ ( : أي أعطاهم ، أي جعلهم متقين له ؛ فتقواهم مصدر مضاف للفاعل .
( أَن تَأْتِيهُمُ ( : بدل اشتمال من الساعة ،
محمد : ( 18 ) فهل ينظرون إلا . . . . .
والضمير للمنافقين ؛ أي الأمر الواقع في نفسه انتظار الساعة ، وإن كانوا هم في أنفسهم ينتظرون غير ذلك ؛ لأن ما في أنفسهم غير مراعى ، لأنه باطل . وقرأ أبو جعفر الرواسي عن أهل مكة : ) ءانٍ تَأْتِهِم ( على الشرط ، وجوابه : ) فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا ( ، وهذا غير مشكوك فيه ، لأنها آتية لا محالة . لكن خوطبوا بما كانوا عليه من الشك ، ومعناه : إن شككتم في إثباتها فقد جاء أعلامها ؛ فالشك راجع إلى المخاطبين الشاكين . وقال الزمخشري : فإن قلت : فما جزاء الشرط ؟ قلت : قولهم : ) فَأَنَّى لَهُمْ ( ، ومعناه : أن تأتيهم الساعة ، فكيف لهم ذكراهم ، أي تذكرهم واتعاظهم ؟ إذا جاءتهم الساعة يعني لا تنفعهم الذكرى حينئذ لقوله : ) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى ). فإن قلت : بم يتصل قوله ، وقد جاء أشراطها على القراءتين ؟ قلت : بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول كقولك : إن أكرمني زيد فأنا حقيق بالإكرام أكرمه . وقرأ الجعفي ، وهرون ، عن أبي عمرو : ) بَغْتَةً ( ، بفتح الغين

الصفحة 79