كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 93 "
أولئك الأعراب أنه يستقبل عدواً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل والمجاورين بمكة ، وهو الأحابيش ؛ ولم يكن الإيمان تمكن من قلوبهم ، فقعدوا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وتخلفوا وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة ، ففضحهم الله عز وجل في هذه الآية ، وأعلم رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم ، فكان كذلك .
( شَغَلَتْنَا أَمْوالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ( : وهذا اعتلال منهم عن تخلفهم ، أي لم يكن لهم من يقوم بحفظ أموالهم وأهليهم غيرهم ، وبدؤا بذكر الأموال ، لأن بها قوام العيشذ ؛ وعطفوا الأهل ، لأنهم كانوا يحافظون على حفظ الأهل أكثر من حفظ المال . وقرىء : شغلتنا ، بتشديد الغين ، حكاه الكسائي ، وهي قراءة إبراهيم بن نوح بن باذان ، عن قتيبة . ولما علموا أن ذلك التخلف عن الرسول كان معصية ، سألوا أن يستغفر لهم . ) يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ( : الظاهر أنه راجع إلى الجملتين المقولتين من الشغل وطلب الاستغفار ، لأن قولهم : شغلتنا ، كذب ؛ وطلب الاستغفار : خبث منهم وإظهار أنهم مؤمنون عاصون . وقال الطبري : هو راجع إلى قولهم : فاستغفر لنا ، يريد أنهم قالوا ذلك مصانعة من غير توبة ولا ندم .
( قُلْ فَمَن يَمْلِكُ ( : أي من يمنعكم من قضاء الله ؟ ) إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً ( : من قتل أو هزيمة ، ( أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ( ، من ظفر وغنيمة ؟ أي هو تعالى المتصرف فيكم ، وليس حفظكم أموالكم وأهليكم بمانع من ضياعها إذا أراده الله تعالى . وقرأ الجمهور : ضراً ، بفتح الضاد ؛ والإخوان : بضمها ، وهما لغتان .
الفتح : ( 12 ) بل ظننتم أن . . . . .
ثم بين تعالى لهم العلة في تخلفهم ، وهي ظنهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لا يرجعون إلى أهليهم . وتقدم الكلام على أهل ، وكيف جمع بالواو والنون في قوله : ) مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ). وقرأ عبد الله : إلى أهلهم ، بغير ياء ؛ وزين ، قراءة الجمهور مبنياً للمفعول ، والفاعل هو الله تعالى . وقيل غيره ممن نسب إليه التزيين مجازاً . وقرىء : وزين مبنياً للفاعل . ) وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْء ( : احتمل أن يكون هو الظن السابق ، وهو ظنهم أن لا ينقلبوا ، ويكون قد ساءهم ذلك الظن وأحزنهم حيث أخلف ظنهم . ويحتمل أن يكون غيره لأجل العطف ، أي ظننتم أنه تعالى يخلف وعده في نصر دينه وإعزاز رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . ) بُوراً ( : هلكى ، والظاهر أنه مصدر كالهلك ، ولذلك وصف به المفرد المذكر ، كقول ابن الزبعري : يا رسول المليك إن لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور
والمؤنث ، حكى أبو عبيدة : امرأة بور ، والمثنى والمجموع . وقيل : يجوز أن يكون جمع بائر ، كحائل ، وحول هذا في المعتل ، وباذل وبذل في الصحيح ، وفسر بوراً : بفاسدين هلكى . وقال ابن بحر : أشرار . واحتمل وكنتم ، أي يكون المعنى : وصرتم بذلك الظن ، وأن يكون وكنتم على بابها ، أي وكنتم في الأصل قوماً فاسدين ، أي الهلاك سابق لكم على ذلك الظن .
الفتح : ( 13 ) ومن لم يؤمن . . . . .
ولما أخبر تعالى أنهم قوم بور ، ذكر ما يدل على أنهم ليسوا بمؤمنين فقال : ) وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ( ، فهو كافر جزاؤه السعير .
الفتح : ( 14 ) ولله ملك السماوات . . . . .
ولما كانوا ليسوا مجاهدين بالكفر ، ولذلك اعتذروا وطلبوا الاستغفار ، مزج وعيدهم وتوبيخهم ببعض الإمهال والترجئة . وقال الزمخشري : ) وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( ، يدبره تدبير قادر حكيم ، فيغفر ويعذب بمشيئته ، ومشيئته تابعة لحكمته ، وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر . ) وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ( ، رحمته سابقة لرحمته ، حيث يكفر السيئات باجتناب الكبائر بالتوبة . انتهى . وهو على مذهب الاعتزال .
الفتح : ( 15 ) سيقول المخلفون إذا . . . . .
( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ ( : روي أن الله تعالى أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) يغزو خيبر ، ووعده بفتحها ، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسيره إلى خيبر ، وهم عدو مستضعف ، طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا من الغنيمة ، وكان كذلك . ) يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلَامَ اللَّهِ ( : معناه أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة

الصفحة 93