كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 94 "
خيبر ، وذلك أنه وعدهم أن يعوضهم من مغانم مكة خيبر ، إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منها شيئاً ، قاله مجاهد وقتادة ، وعليه عامة أهل التأويل . وقال ابن زيد : ) كَلاَمَ اللَّهِ ( : قوله تعالى : ) قُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِىَ عَدُوّا ( ، وهذا لا يصح ، لأن هذه الآية نزلت مرجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) من تبوك في آخر عمره . وهذه السورة نزلت عام الحديبية ، وأيضاً فقد غزت مزينة وجهينة بعد هذه المدة معه عليه الصلاة والسلام ، وفضلهم بعد على تميم وغطفان وغيرهم من العرب . وقرأ الجمهور : كلام الله ، بألف ؛ والإخوان : كلم الله ، جمع كلمة ، وأمره تعالى أن يقول لهم : ) لَّن تَتَّبِعُونَا ( ، وأتى بصيغة لن ، وهي للمبالغة في النفي ، أي لا يتم لكم ذلك ، إذ قد وعد تعالى أن ذلك لا يحضرها إلا أهل الحديبية فقط . ) كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ( : يريد وعده قبل اختصاصهم بها . ) بَلْ تَحْسُدُونَنَا ( : أي يعز عليكم أن نصيب مغنماً معكم ، وذلك على سبيل الحسد أن نقاسمكم فيما تغنمون . وقرأ أبو حيوة : بكسر السين ، ثم رد عليهم تعالى كلامهم هذا فقال : ) بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ( من أمور الدنيا ، وظاهره ليس لهم فكر إلا فيها ، كقوله : ) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ). والإضراب الأول رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد . والثاني ، إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى ما هو أطم منه ، وهو الجهل وقلة الفقه .
الفتح : ( 16 ) قل للمخلفين من . . . . .
( قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الاْعْرَابِ ( : أمر تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن يقول لهم ذلك ، ودل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام ، ولو لم يكن الأمر كذلك ، لم يكونوا أهلاً لذلك الأمر . وأبهم تعالى في قوله : ) إِلَى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ ). فقال عكرمة ، وابن جبير ، وقتادة : هم هوازن ومن حارب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) في حنين . وقال كعب : الروم الذين خرج إليهم عام تبوك ، والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة . وقال الزهري ، والكلبي : أهل الردة ، وبنو حنيفة باليمامة . وعن رافع بن خديج : إنا كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ، ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر ، رضي الله تعالى عنه ، إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنهم أريدوا بها . وقال ابن عباس ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، وعطاء الخراساني ، وابن أبي ليلى : هم الفرس . وقال الحسن : فارس والروم . وقال أبو هريرة : قوم لم يأتوا بعد . وظاهر الآية يرد هذا القول . والذي أقوله : إن هذه الأقوال تمثيلات من قائليها ، لا أن المعنى بذلك ما ذكروا ، بل أخبر بذلك مبهماً دلالة على قوة الإسلام وانتشار دعوته ، وكذا وقع حسن إسلام تلك الطوائف ، وقاتلوا أهل الردة زمان أبي بكر ، وكانوا في فتوح البلاد أيام عمر وأيام غيره من الخلفاء .
والظاهر أن هؤلاء المقاتلين ليسوا ممن تؤخذ منهم الجزية ، إذ لم يذكر هنا إلا القتال أو الإسلام . ومذهب أبي حنيفة ، رحمه الله تعالى ورضي عنه : أن الجزية لا تقبل من مشركي العرب ، ولا من المرتدين ، وليس إلا الإسلام أو القتل ؛ وتقبل ممن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب والمجوس . ومذهب الشافعي ، رحمه الله تعالى : لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس ، دون مشركي العجم والعرب . وقال الزمخشري : وهذا دليل على إمامة أبي بكر الصديق ، رضي الله تعالى عنه ، فإنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، ولكن بعد وفاته . انتهى . وهذا ليس بصحيح ، فقد حضر كثير منهم مع جعفر في موتة ، وحضروا حرب هوازن معر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وحضروا معه في سفرة تبوك . ولا يتم قول الزمخشري : إلا على قول من عين أنهم أهل الردة . وقرأ الجمهور : أو يسلمون ، مرفوعاً ؛ وأبي ، وزيد بن علي : بحذف النون منصوباً بإضمار أن في قول الجمهور من البصريين غير الجرمي ، وبها في قول الجرمي والكسائي ، وبالخلاف في قول الفراء وبعض الكوفيين . فعلى قول النصب بإضمار أن هو عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم ، أي يكون قتال أو إسلام ، أي أحد هذين ، ومثله في النصب قول امرىء القيس : فقلت له لا تبك عينك إنما
نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

الصفحة 94