كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 8)

" صفحة رقم 96 "
قال بكير بن الأشجع : يوم فتح مكة . قال نافع : كان الناس يأتون تلك الشجرة يصلون عندها ، فبلغ عمر ، فأمر بقطعها . وكانت هذه البيعة سنة ست من الهجرة . وفي الحديث عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( لا يدخل النار من شهد بيعة الرضوان ) .
( فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ ( ، قال قتادة ، وابن جريج : من الرضا بالبيعة أن لا يفروا . وقال الفراء : من الصدق والوفاء . وقال الطبري ، ومنذر بن سعيد : من الإيمان وصحته ، والحب في الدين والحرص عليه . وقيل : من الهم والانصراف عن المشركين ، والأنفة من ذلك ، على نحو ما خاطب به عمر وغيره ؛ وهذا قول حسن يترتب معه نزول السكينة والتعريض بالفتح القريب . والسكينة تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر الله تعالى ، وعلى الأقوال السابقة قيل هذا القول ، لا يظهر احتياج إلى إنزال السكينة إلا أن يجازي بالسكينة والفتح القريب والمغانم . وقال مقاتل : فعلم ما في قلوبهم من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت ، ( فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ( حتى بايعوا . قال ابن عطية : وهذا فيه مذمة للصحابة ، رضي الله تعالى عنهم . انتهى .
( وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ( قال قتادة ، وابن أبي ليلى : فتح خيبر ، وكان عقب انصرافهم من مكة . وقال الحسن : فتح هجر ، وهو أجل فتح اتسعوا بثمرها زمناً طويلاً . وقيل : فتح مكة والقرب أمر نسبي ، لكن فتح خيبر كان أقرب . وقرأ الحسن ، ونوح القارىء : وآتاهم ، أي أعطاهم ؛ والجمهور : وأثابهم من الثواب .
الفتح : ( 19 ) ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . .
( وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً ( : أي مغانم خيبر ، وكانت أرضاً : ذات عقار وأموال ، فقسمها عليهم . وقيل : مغانم هجر . وقيل : مغانم فارس والروم . وقرأ الجمهور : يأخذونها بالياء على الغيبة في وأثابهم ، وما قبله من ضمير الغيبة . وقرأ الأعمش ، وطلحة ، ورويس عن يعقوب ، ودلبة عن يونس عن ورش ، وأبو دحية ، وسقلاب عن نافع ، والأنطاكي عن أبي جعفر : بالتاء على الخطاب . كما جاء بعد
الفتح : ( 20 ) وعدكم الله مغانم . . . . .
( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً ( بالخطاب . وهذه المغانم الموعود بها هي المغانم التي كانت بعد هذه ، وتكون إلى يوم القيامة ، قاله ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين .
ولقد اتسع نطاق الإسلام ، وفتح المسلمون فتوحاً لا تحصى ، وغنموا مغانم لا تعد ، وذلك في شرق البلاد وغربها ، حتى في بلاد الهند ، وفي بلاد السودان في عصرنا هذا . وقدم علينا حاجاً أحد ملوك غانة من بلاد التكرور ، وذكر عنه أنه استفتح أزيد من خمسة وعشرين مملكة من بلاد السودان ، وأسلموا ، وقدم علينا ببعض ملوكهم يحج معه . وقيل : الخطاب لأهل البيعة ، وأنهم سيغنمون مغانم كثيرة . وقال زيد بن أسلم وابنه : المغانم الكثيرة مغانم خيبر ؛ ) فَعَجَّلَ لَكُمْ هَاذِهِ ( : الإشارة بهذه إلى البيعة والتخلص من أمر قريش بالصلح ، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم وابنه . وقال مجاهد : مغانم خيبر .
( وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنْكُمْ ( : أي أهل مكة بالصلح . وقال ابن عباس عيينة بن حصن الفزاري ، وعوف بن مالك النضري ، ومن كان معهم : إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر ، والرسول عليه الصلاة والسلام محاصر لهم ، فجعل الله في قلوبهم الرعب وكفهم عن المسلمين . وقال ابن عباس أيضاً : أسد وغطفان حلفاء خيبر . وقال الطبري : كف اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلى الحديبية وإلى خيبر . ) وَلِتَكُونَ ( : أي هذه الكفة آية للمؤمنين ، وعلامة يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان ، وأنه ضامن نصرهم والفتح عليهم . وقيل : رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فتح مكة في منامه ، ورؤيا الأنبياء حق ، فتأخر ذلك إلى السنة القابلة ، فجعل فتح خيبر علامة وعنواناً لفتح مكة ، فيكون الضمير في ولتكون عائداً على هذه ، وهي مغانم خيبر ، والواو في ولتكون زائدة عند الكوفيين وعاطفة على محذوف عند غيرهم ، أي ليشكروه ولتكون ، أو وعد فعجل وكف لينفعكم بها ولتكون ، أو يتأخر ، أو يقدر ما يتعلق به متأخراً ، أي فعل ذلك . ) وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُّسْتَقِيماً ( : أي طريق التوكل وتفويض الأمور إليه . وقيل : بصيرة واتقاناً .
الفتح : ( 21 ) وأخرى لم تقدروا . . . . .
( وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا ( ، قال ابن عباس ، والحسن ، ومقاتل : بلاد فارس والروم وما فتحه المسلمون . وقال الضحاك ، وابن زيد ، وابن اسحاق : خيبر . وقال قتادة ، والحسن : مكة ، وهذا القول يتسق معه المعنى ويتأيد . وفي قوله : ) لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا ( دلالة على تقدم محاولة لها ، وفوات درك المطلوب في الحال ، كما كان في مكة . وقال الزمخشري : هي مغانم هوازن في غزوة حنين . وقال : ) لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا ( ، لما كان فيها من الجولة ، وجوز الزمخشري في : ) وَأُخْرَى ( ، أن تكون مجرورة

الصفحة 96