كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 8)

الأوقات حتى يتخيل أن حبيبه لا يزال حيًّا، وربما يتخيّله معه. وقد يسلك هذا المجاز في كلمة، ويصرّح بالموت في أخرى، لإيهام أنه لشدة جزعه كأنه قد خولط في عقله. قالت الخنساء في تكذيب الخبر بقتل أخيها:
كذَّبتُ بالحقِّ وقد راعني ... حتى عَلَتْ أبياتَنا الواعيَهْ (¬١)
وقال أعشى باهلة يرثي المنتشر الباهلي (¬٢) [ص ٣٤]:
إنّي أتتْني لسانٌ ما أُسَرُّ بها ... مِنْ عَلْوَ لا عَجَبٌ فيها ولا سَخَرُ
جاءت مُرَجَّمةً قد كنتُ أحذرها ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذَرُ
تأتي على الناس لا تَلْوي على أحدٍ ... حتى أتتنا وكانت دوننا مُضَرُ
إذا يُعادُ لها ذِكرٌ أكذّبُه ... حتى أتتني بها الأنباءُ والخَبَرُ
وشرحه المتنبي، فقال (¬٣):
طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ ... فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذِبِ
حتى إذا لم يَدَعْ لي صدقُه أملًا ... شرِقتُ بالدمع حتى كاد يشرَقُ بي
ولذلك تراهم في مراثيهم يكثرون من مخاطبة الميّت، ويقولون له: "لا تبعد". وآخر مرثية أعشى باهلة السابق ذكرها:
---------------
(¬١) ديوان الخنساء (٤٠٢). وفيه: "وقد رابني".
(¬٢) القصيدة في جمهرة أشعار العرب ص ٢٧٠ وما بعدها. [المؤلف]. طبعة الهاشمي (٧١٤). وانظر: الأصمعيات (٨٨)، والكامل (١٤٣١)، والخزانة (١/ ١٩١).
(¬٣) ديوانه مع شرح العكبري (١/ ٥٨). [المؤلف]. الشرح المذكور لزكي الدين الأنصاري المتوفى سنة ٦٣٩، انظر بحث عبد الرحمن بن إبراهيم الهليل في مجلة الدراسات اللغوية (٣: ٢) عدد ربيع الآخر ١٤٢٢.

الصفحة 172