كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 8)
فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق .. " (¬١).
قال ابن حزم: فهذه الأخبار براهين قاطعة في إبطال كل عهد، وكل عقد، وكل وعد، وكل شرط ليس في كتاب الله الأمر به، أو النص على إباحة عقده؛ لأن العقود والعهود والأوعاد شروط، واسم الشرط يقع على جميع ذلك (¬٢).
وقيل: الأصل في الشروط الصحة والجواز حتى يقوم دليل شرعي على المنع والبطلان، وهذا يذهب إليه ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة (¬٣)، ومثل هؤلاء يمكن لهم أن يذهبوا إلى جواز الشرط الجزائي.
وقد ذهبت هيئة كبار العلماء بالسعودية (¬٤)، والمجمع الفقهي التابع لمنظمة
---------------
(¬١) صحيح البخاري (٢١٦٨)، ومسلم (١٥٠٤).
(¬٢) الإحكام لابن حزم (٢/ ٥٩٩).
(¬٣) مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٣٢).
(¬٤) انظر قرار هيئة كبار العلماء في السعودية رقم (٢٥)، وتاريخ ٢١/ ٨/ ١٣٩٤ هـ
، وجاء في القرار بعد أن ذكر العلماء الأدلة المسوغة لجوازه، قالوا: لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح، معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول، وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من ضرر، ويرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة، والنظر عملاً بقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨].
وقوله سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا ضرر، ولا ضرار، وبالله التوفيق.=